الطريق الإقليمي في محافظة المنوفية بمصر شهد مؤخرا واحدة من أسوأ الحوادث المرورية في البلاد، ما أعاد تسليط الضوء على هذا الطريق الذي يعرف محليا باسم “طريق الموت”. يربط هذا الطريق الحيوي عدة محافظات ببعضها البعض ولكنه تحول إلى شريان للمآسي يومية نتيجة مشاكل في البنية التحتية وغياب الصيانة الدورية.
تفاصيل حادث أشمون المروع
شهد الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية في 27 يونيو 2025 حادثا مأساويا أمام قرية مؤنسة بمركز أشمون، أسفر عن مقتل 19 شخصا وإصابة 3 آخرين. وقع الحادث نتيجة تصادم مروع بين سيارة نقل ثقيل (تريلا) وميكروباص كان يقل 18 فتاة من عاملات اليومية من قرية كفر السنابسة بالإضافة إلى السائق.
كانت الفتيات في طريقهن إلى العمل في مزارع العنب في الساعة السابعة صباحا مقابل أجر يومي يبلغ 130 جنيها فقط. سلك سائق التريلا طريقا في الاتجاه المعاكس نتيجة اختلال عجلة القيادة والسرعة الزائدة، مما أدى إلى تصادم وجها لوجه مع الميكروباص.
الضحايا وتأثيرها الاجتماعي
تراوحت أعمار الضحايا بين 13 و23 عاما، معظمهن من الفتيات الشابات اللواتي خرجن للعمل بحثا عن لقمة العيش. من بين الضحايا رويدا خالد البالغة من العمر 23 عاما والتي كانت تستعد لحفل زفافها بعد أسبوعين. تحولت قرية كفر السنابسة إلى بيت عزاء مفتوح، فقدت 18 من بناتها دفعة واحدة في حادث وصفه الأهالي بأنه “نكبة لم تمر بها القرية من قبل”.
توزعت الجثامين على عدة مستشفيات: مستشفى قويسنا (6 وفيات)، مستشفى أشمون (6 وفيات)، مستشفى الباجور (5 وفيات)، ومستشفى سرس الليان (حالتان).
الطريق الدائري الإقليمي: نظرة شاملة
الطريق الدائري الإقليمي هو طريق محيطي في مصر يحيط بالطريق الدائري الأوسطي والذي يحيط بالطريق الدائري للقاهرة الكبرى. يبلغ طول الطريق نحو 400 كيلومتر، مما يجعله الأطول في أفريقيا والشرق الأوسط.
يمر الطريق بـ6 محافظات: القاهرة، الجيزة، المنوفية، القليوبية، الشرقية، والفيوم. يتقاطع مع 14 طريقا رئيسيا و2 طريقين فرعيين، مسؤولة عن نقل 80% من الحركة نحو القاهرة والعكس.
تاريخ الإنشاء والتطوير
بدأ إنشاء الطريق عام 2008 وتم افتتاحه بالكامل في 9 سبتمبر 2018. نفذ المشروع كل من وزارة النقل والمواصلات ووزارة الإسكان والهيئة الهندسية للقوات المسلحة. تراوحت تكلفة تنفيذ القوس الشمالى بين 8.5 و9 مليارات جنيه شاملة تعويضات نزع الملكية.
في عام 2002، أجرت مؤسسة (جايكا) اليابانية دراسة اقتصادية أفادت بأن مصر تحتاج فورا لعمل طريق دائرى إقليمى يربط الطرق السريعة الرئيسية بعيدا عن القاهرة.
أسباب تحول الطريق إلى “طريق الموت”
يعاني الطريق الإقليمي من مشاكل حادة في البنية التحتية رغم حداثة إنشائه. يشكو المواطنون من اهتراء الأسفلت وظهور مطبات وحفر بسبب درجات الحرارة العالية. أصبح الطريق يحتوي على مسارات منخفضة ومرتفعة مما يؤدي إلى انقلاب السيارات عند أي انحراف بسيط.
تشمل المشاكل الرئيسية: ضعف الإضاءة أو غيابها تماما في بعض المناطق، ومنحنيات صعبة وخطيرة، وتآكل طبقة الأسفلت وظهور تشققات، ومطبات وضعها الأهالي للتقليل من السرعة
غياب الصيانة الدورية
رغم إنفاق مليار و200 مليون جنيه على الطريق في محافظة المنوفية وحدها، إلا أن الطريق حسب كلام الأهالي لا يزال يعاني من مشاكل جسيمة. هذا يثير تساؤلات حول مصير هذه الأموال وفعالية أعمال الصيانة المنفذة.
إحصائيات الحوادث المفزعة
يطلق على الطريق الإقليمي محليا اسم “طريق الموت” حيث تحدث عليه 10 حوادث يوميا في المتوسط. من يونيو 2023 إلى يونيو 2025، شهد الطريق أكثر من 16 حادثة في فترة زمنية قصيرة، أدت إلى مقتل 31 شخصا وإصابة 157 آخرين.
وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، بلغ عدد المتوفين في حوادث الطرق بالبلاد 5,260 شخصا عام 2024، فيما سجل عدد إصابات حوادث الطرق 76,362 إصابة في 2024، مقابل 71,016 عام 2023، بنسبة ارتفاع 7.5%.
كان أعلى عدد إصابات على مستوى المحافظات المصرية في محافظة الدقهلية، حيث بلغ 15,563 إصابة، وأقل عدد إصابات في محافظة السويس، حيث بلغ 39 إصابة عام 2024.
ورغم تحسن ترتيب مصر في مؤشر جودة الطرق من المركز 118 عام 2015 إلى المركز 18 عالميا عام 2024, إلا أن هناك مشاكل محددة ضعف الرقابة المرورية على الطريق الإقليمي، وعدم وجود حارات منفصلة للنقل الثقيل، وغياب القوانين الرادعة والرقابة الفعالة.
جهود الصيانة والإصلاح الحالية
في أكتوبر 2024، انتهت الجهات المشرفة على صيانة وإعادة تأهيل الطريق الدائري الإقليمي من أعمال كشط الأسفلت القديم وبدء أعمال وضع الطبقة الأسمنتية. تم إسناد أعمال إعادة رفع الكفاءة والتطوير والصيانة للطرق لشركة أوراسكوم.
التعويضات والدعم الحكومي
أعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية صرف تعويض فوري بقيمة 100 ألف جنيه لكل أسرة من أسر الضحايا، في إطار تنفيذ قانون التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024. كما وجه وزير العمل بصرف تعويضات إضافية بلغت 200 ألف جنيه للمتوفين و20 ألفا للمصابين ضمن تغطية العمالة غير المنتظمة.
التدخل الحكومي
تابعت الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي تداعيات الحادث منذ اللحظة الأولى، ووجهت بسرعة تقديم التدخلات الإغاثية وتوفير المساعدات العاجلة من خلال فرق الهلال الأحمر.
الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية، الذي كان من المفترض أن يكون شريانا حيويا يربط محافظات مصر ويخفف الضغط على الطرق الأخرى، تحول إلى “طريق الموت” الذي يحصد الأرواح بشكل يومي. الحادث الأخير الذي أودى بحياة 19 شخصا معظمهم من الفتيات الشابات العاملات يسلط الضوء على أزمة حقيقية في البنية التحتية للطرق وغياب الرقابة الفعالة.
رغم الاستثمارات الضخمة والجهود المبذولة في تطوير شبكة الطرق المصرية، يبقى الطريق الإقليمي نموذجا للتحديات التي تواجه قطاع النقل في مصر. المطلوب اليوم تدخل عاجل وحازم من الجهات المختصة لإنقاذ هذا الطريق الحيوي وتحويله من “شبح للموت” إلى نموذج يحتذى به في الأمان المروري.
إن استمرار تجاهل هذه المشكلة سيعني المزيد من الضحايا الأبرياء، وهو ثمن باهظ لا يمكن لأي مجتمع أن يتحمله. الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات جذرية وفعالة تضمن سلامة المواطنين على هذا الطريق الذي يستخدمه آلاف الأشخاص يوميا.










