شهدت الساحة السياسية اليمنية تطورا خطيرا اليوم الثلاثاء الأول من يوليو 2025، بعد أن خرجت الخلافات والتوترات داخل مجلس القيادة الرئاسي إلى العلن، مما ينذر بأزمة سياسية جديدة في البلاد التي تعاني أصلا من تحديات اقتصادية وأمنية متراكمة
تعود جذور هذه التوترات إلى خلاف عميق بين رئيس المجلس رشاد العليمي وعضو المجلس طارق صالح، حيث اتهم الأخير العليمي بـ”الإقصاء وإضعاف مؤسسات الدولة” في إطار ما وصف بأنه محاولة لتهميش دور بعض المكونات السياسية الرئيسية.
البيان المثير للجدل
برز هذا الخلاف بوضوح بعد زيارة رسمية لرئيس المجلس إلى روسيا* في مايو الماضي، حيث لم يعقد المجلس أي اجتماعات منذ عودة العليمي في أوائل يونيو، مما أظهر وجود تباينات واضحة داخل المجلس.
تصاعدت الأمور عندما أصدرت “المقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح بيانا قبل نحو أسبوع، انتقدت فيه ما اعتبرته إقصاء لبعض شركاء العمل الوطني وتجاوز المصلحة الوطنية والإضرار بها، وتجاوز الصلاحيات والدستور والقانون.
جاء في البيان: “إن أمانة المقاومة الوطنية تؤكد ضرورة الالتزام بعدم مناقشة القضايا إلا في إطارها الذي ينظمه الدستور والقانون وإعلان نقل السلطة، وترفض مناقشة مواضيع من صلب عمل الحكومة ومسؤولياتها دون دعوتها لحضور الاجتماع”.
رد المستشار في الرئاسة اليمنية مروان دماج عبر صفحته في فيسبوك على بيان المقاومة الوطنية بالقول: “الجدل العلني لا يخدم أحدا، ومن المهم ألا يزج بهذا الرجل (طارق صالح) في مسارات لا تليق بطبيعة مسؤوليته”.
وأضاف دماج: “القضايا تناقش وتعالج ضمن الأطر الرسمية والحوارات المؤسسية، أما البيانات المفتوحة، فغالبا ما تفهم إما باعتبارها تعبيرا عن ضعف أو مظهرا من مظاهر التمرد”.
التباينات تصل إلى تشكيل تكتلات داخلية
كشفت مصادر إعلامية عن تصاعد الخلافات داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وصلت حد المطالبة رسميا بتدوير منصب رئيس المجلس، في ظل اتهامات لرئيس المجلس رشاد العليمي باحتكار القرار وإقصاء بقية الأعضاء.
وفقا لقناة “بلقيس”، تشكل *تكتل من خمسة أعضاء هم: طارق صالح، عيدروس الزبيدي، عبد الله العليمي، فرج البحسني، وأبو زرعة المحرمي، وبدأوا الضغط لطرح مسألة التدوير في الاجتماع المقبل المقرر في العاصمة السعودية الرياض مطلع يوليو.
صمت المجلس الانتقالي الجنوبي يثير الجدل
انتقد رئيس تحرير صحيفة “يافع نيوز” ياسر اليافعي في منشور على فيسبوك”صمت المجلس الانتقالي الجنوبي” إزاء ما وصفه بتفرد العليمي في إدارة الدولة.
واتهم اليافعي العليمي بأنه “لا يلتزم بالشراكة، بل يختار المسؤولين وفقا للانتماء السياسي والمناطقي الذي يريده هو، متجاهلا قرارات وترشيحات الانتقالي، ومماطلا في تنفيذها، في إهانة واضحة للجنوب وتضحياته”.
أكدت مصادر خاصة في المجلس الرئاسي أن نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، اعتكف خلال الأشهر الأخيرة عن حضور أي لقاءات أو اجتماعات للمجلس الرئاسي، ورفض أي نقاشات بسبب رفض العليمي الاستجابة لعديد من الطلبات والملاحظات.
أزمة في البرلمان وتجاوز الصلاحيات
تزامنت هذه الخلافات مع اتهامات برلمانية خطيرة وجهها عضو مجلس النواب علي عشال لمجلس القيادة الرئاسي، حيث اتهمه بالتعدي على صلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية.
أشار عشال إلى تجاوزين رئيسيين: الأول تفويض العليمي لرئيس مجلس القضاء الأعلى بإجراء تعديلات على قانون الرسوم القضائية، والثاني منح هيئة التشاور والمصالحة دورا رقابيا على السلطة التنفيذية، وهو ما يعتبره البرلماني اعتداء على صلاحيات البرلمان الحصرية.
قال عشال: “الرقابة على عمل السلطة التنفيذية عمل يختص به مجلس النواب وبعض المؤسسات الرقابية التي حددها الدستور وأنشأتها القوانين، وليس من بينها هيئة التشاور والمصالحة”.
محاولة للتهدئة وإنكار للخلافات
في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد، أجرى طارق صالح اتصالا هاتفيا بالعليمي في 28 يونيو عبر فيه عن أمله في أن يتحقق النصر والتمكين للقضية الوطنية في العام الجديد (الهجري).
نفى رئيس فرع المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في محافظة إب، كامل الخوداني، وجود أي خلاف بين الرجلين، مؤكدا أن ما جرى ليس أكثر من مطالب تنظيمية طبيعية، ولا تعكس صراعا أو قطيعة.
وقال الخوداني: “لم يكن هناك أي خلاف من الأساس”، مؤكدا أن التواصل بين الرئيس العليمي والعميد طارق صالح قائم بشكل مستمر، وقد يكون شبه يومي في بعض الفترات.
تركيبة المجلس وآلية العمل
يتكون مجلس القيادة الرئاسي من ثمانية أعضاء برئاسة رشاد العليمي، ويضم نوابا هم: سلطان العرادة، طارق صالح، عبد الرحمن المحرمي، عبد الله العليمي باوزير، عثمان مجلي، عيدروس الزبيدي، وفرج البحسني.
وقد جرى التقسيم بالمناصفة شمالا وجنوبا، كما حظي حزب الإصلاح بمقعدين والمؤتمر الشعبي العام بثلاثة مقاعد. وفي حال عدم التوافق، تتخذ القرارات بالأغلبية البسيطة
التحديات المستقبلية والتداعيات الإقليمية
تشير التطورات إلى أن مجلس القيادة يواجه أزمة ثقة داخلية* قد تهدد قدرته على إدارة المرحلة الانتقالية، خاصة مع تقارير عن تشكيل “تكتل خماسي” يطالب بتدوير منصب رئاسة المجلس.
ويرى مراقبون أن هذه الصراعات لم تعد مجرد تباين في الرؤى، بل تعبير صارخ عن صراع المحاور بين الرياض وأبوظبي، حيث يسعى كل طرف لترجيح كفة حلفائه داخل المجلس والاستئثار بقرار الدولة.
يبقى السؤال المطروح حول قدرة القيادة اليمنية على تجاوز هذه الخلافات والتركيز على المهام الأساسية لاستعادة الاستقرار وتحسين أوضاع المواطنين، في ظل ما يواجهه اليمن من تحديات جسيمة على جميع الأصعدة تتطلب استجابة موحدة وعاجلة من جميع مكونات السلطة الشرعية.










