أربعة أيام بعد افتتاحه الرسمي أمام الرحلات المدنية، وجد مطار كركوك الدولي نفسه ليل الاثنين 30 يونيو 2025 تحت وابل مزدوج من صواريخ «كاتيوشا» وطائرات مسيّرة، في حادثة أعادت إلى الأذهان سلسلة الهجمات التي تطاول البنى التحتية الحيوية شمال العراق.
السلطات العراثية أكدت السيطرة على الوضع سريعاً، لكن الأسئلة تتزايد حول هوية الفاعلين وقدرة بغداد على تحييد التهديدات القادمة من السماء.
تفاصيل الهجوم:
صواريخ غراد 2023 وطائرات مجهولة
بحسب بيان إدارة المطار، سقطت ثلاثة مقذوفات عند الساعة 11:30 ليلاً: اثنان أصابا الجانب العسكري، بينما انفجر الثالث قرب البوابة المدنية متسبباً بحريق محدود أخمدته فرق الإطفاء .
وأظهرت الصور أنّ بقايا المقذوفات تعود إلى صاروخ «غراد» عيار 122 ملم مصنوع عام 2023 .
بعد دقائق، أفاد مصدر أمني بأن خمس طائرات مسيّرة هاجمت المدرج العسكري ذاته؛ أسقطت اثنتان داخل المطار، فيما سقطت ثلاث خارج الحرم من دون انفجار رؤوسها الحربية .
لم تُخلف الهجمات سوى إصابة عنصر أمن بجروح طفيفة وإشعال أعشاب جافة، بينما ظل المدرج والجانب المدني في الخدمة الطبيعية .
استجابة أمنية سريعة وتطويق للمطار
قيادة عمليات كركوك فرضت طوقاً امنياً محكماً حول المطار ومحيطه، ونشرت وحدات الجيش والشرطة الاتحادية ومكافحة الإرهاب لتفتيش المنطقة .
وفي الساعات الأولى بعد الهجوم، عُثر على منصة إطلاق صواريخ داخل شاحنة «كيا حمل» متروكة في قرية يارمجه على بعد نحو 25 كلم جنوب-شرقي المدينة، ويُعتقد أنها استخدمت لإطلاق المقذوفات .
خلفيات أمنية: كركوك في مرمى الصواريخ
لم يكن هذا أول هجوم من نوعه. فالمطار الذي طال انتظاره شهد محاولات استهداف متكررة منذ بدء تشغيله التجريبي عام 2023، كان آخرها سقوط طائرتَيْ مسيّرة منتصف نيسان الماضي من دون خسائر .
واتسمت محافظة كركوك المتنازع عليها تاريخياً بين بغداد وأربيل بفراغ أمني استغلته خلايا «داعش» وفصائل مسلّحة موالية لإيران لشن هجمات صاروخية متقطعة على قواعد عسكرية ومصالح نفطية .
تساؤلات حول الجهة المنفذة
رغم عدم تبنّي أي مجموعة الهجوم، يوجّه خبراء الأمن أصابع الاتهام نحو فصائل «المقاومة الإسلامية» التي صعّدت منذ مطلع العام ضرباتها على أهداف يُعتقد بوجود قوات أمريكية أو تركية فيها. استخدام صواريخ غراد حديثة الصنع يشير، وفق محللين، إلى توريد إيراني محتمل أو شراء عبر وسطاء في سوريا .
في المقابل، حذّر مسؤولون عسكريون عراقيون من تبعات «الحرب الإقليمية بالوكالة» على الأمن الداخلي، ولا سيما بعد انخراط العراق غير المباشر في الصراع الإيراني-الإسرائيلي، حيث سقطت عشرات الصواريخ وبقايا المسيرات في محافظات عدّة خلال جولة القصف المتبادل الأخيرة .
تأثير محدود على الملاحة الجوية
إدارة المطار شددت على أن جدول الرحلات لم يتأثر، وأن شركات الطيران استأنفت عملياتها صباح الثلاثاء طبقاً للمواعيد المُعلنة .
كما أكدت «هيئة الطيران المدني» أن الإجراءات الوقائية—ومنها نشر منظومات تشويش إلكتروني وحفر ملاجئ للطائرات—سوف تُسرّع لحماية المدرج المدني البالغ طوله 3.6 كلم.
لكن شركة تأمين أوروبية أشارَت في مذكرة داخلية إلى احتمال رفع أقساط التأمين على الطائرات والمسافرين نحو مطارات شمال العراق، ما لم يُثبت العراق قدرته على اعتراض التهديدات الجوية قصيرة المدى.
موقف الحكومة الاتحادية
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وصف الهجوم بأنه «محاولة يائسة لتعطيل بوابة اقتصادية جديدة»، مُوجِّهاً وزارة الداخلية لتشكيل لجنة تحقيق عالية المستوى مع منحها صلاحية الاستعانة بخبراء أجانب في مجال الطب الشرعي للصواريخ .
كما لوّح بإعادة تقييم انتشار «الحشد الشعبي» قرب المنشآت الجوية لضمان «وحدة القيادة والسيطرة».
السياق الاقتصادي لكركوك
افتُتح المطار رسمياً في 26 يونيو بعد انجازات متعثرة دامت عقداً من الزمن، وتبلغ طاقته الاستيعابية نحو مليون مسافر سنوياً ويرتبط بمشروع توسعة منطقة حرة لوجستية.
وتُراهن المحافظة الغنية بالنفط على المطار لاستقطاب استثمارات تتجاوز 400 مليون دولار في قطاعي السياحة والطاقة.










