تواجه العاصمة السورية دمشق أزمة مياه شرب حادة تُعتبر الأخطر منذ عام 1958، حيث يعاني أكثر من 1.2 مليون مشترك من نقص حاد في المياه يصل إلى انقطاع يومي يزيد عن 20 ساعة في بعض الأحياء. تستدعي هذه الأزمة حلولاً عاجلة وشاملة، خاصة مع توقعات بتفاقم الوضع خلال فصل الصيف.
جذور الأزمة المتفاقمة
تمثل أزمة المناخ السبب الجذري وراء تفاقم أزمة المياه في دمشق، حيث شهدت المنطقة أقل معدل هطولات مطرية منذ عام 1958.
وسجلت الهطولات المطرية على حوض نبع الفيجة، المصدر الرئيسي لمياه دمشق، انخفاضاً إلى 30% فقط من المعدل السنوي. كما لم يتجاوز الهطول المطري لمدينة دمشق 23% من المعدل السنوي، وهذه أقل نسبة تُسجل منذ عام 1958.
انخفضت غزارة نبع الفيجة من أكثر من 6 أمتار مكعبة في الثانية إلى 3 أمتار مكعبة فقط، مع توقع انخفاض إضافي إلى مستوى 2 متر مكعب. هذا النبع يُعتبر المصدر الأساسي لمياه 70% من احتياجات خمسة ملايين نسمة في دمشق وضواحيها.
تدهور البنية التحتية
تضررت البنية التحتية للمياه بشكل كبير خلال سنوات الحرب، حيث تعطل عدد كبير من عنفات الضخ وخرجت العديد من الآبار عن الخدمة.
ويؤدي تعطل هذه المعدات إلى تفاوت في توزيع المياه بين أحياء دمشق المختلفة، حيث تحصل بعض المناطق على كميات أفضل من غيرها اعتماداً على حالة العنفات المخصصة لها.
الوضع الحالي والتحديات الملحة
تواجه دمشق عجزاً مائياً كبيراً، حيث تحتاج المدينة وريفها إلى حوالي 562 ألف متر مكعب من مياه الشرب يومياً، بينما لا يتجاوز الضخ الحالي ما بين 300-400 ألف متر مكعب يومياً. هذا النقص يترجم إلى انقطاع المياه لأكثر من 20 ساعة يومياً في العديد من الأحياء.
معاناة السكان اليومية
يعاني سكان دمشق من ضعف ضغط المياه الذي يمنعهم من تعبئة خزاناتهم، مما يضطرهم لشراء المياه من الصهاريج بتكلفة عالية تصل إلى 100 ألف ليرة سورية للصهريج الواحد. في بعض الأحياء مثل العباسيين، لا تصل المياه إلا لمدة 90 دقيقة يومياً فقط.
تشهد أحياء مثل المزة والباردة والميدان تراجعاً كبيراً في أوقات الضخ، حيث باتت المياه تصل مرة واحدة كل يومين أو أسبوع. هذا الوضع يدفع المواطنين إلى البحث عن حلول فردية مكلفة مثل حفر الأرض وتركيب محركات لشفط المياه من الشبكة الرئيسية.
سيناريوهات المستقبل المقلقة
تدهور متوقع في الصيف
تحذر المؤسسة العامة لمياه الشرب من انخفاض كميات الضخ إلى 200 ألف متر مكعب في شهر أغسطس القادم. هذا التراجع قد يؤدي إلى تقنين حاد يجعل الضخ يتم مرة واحدة كل 4 أو 5 أيام.
برنامج التقنين الجديد
أعلنت مؤسسة المياه عن قرب إصدار برنامج جديد لتقنين توزيع المياه يعتمد نظام “يوم وصل – يوم قطع”. يأتي هذا الإجراء نتيجة الانخفاض الحاد في منسوب مياه نبع الفيجة واعتماد المؤسسة حالياً على مصادر بديلة غير كافية.
تتحمل الأسر السورية أعباء مالية إضافية بسبب الحاجة لشراء المياه من الصهاريج، حيث وصل سعر الصهريج الواحد (سعة 10 براميل) إلى 100 ألف ليرة سورية. هذا المبلغ يُعتبر كبيراً في بلد يحصل فيه معظم السكان على أقل من 100 دولار شهرياً.
ارتفعت أيضاً أسعار المياه المعدنية المعبأة للمرة الثالثة خلال عام 2023، حيث وصل سعر جعبة المياه (12 عبوة) بسعة نصف ليتر إلى 19,200 ليرة سورية. كما تم رفع تعرفة المتر المكعب من مياه الشرب وفقاً لنظام الشرائح، مع تحديد أسعار مختلفة للاستهلاك المنزلي والتجاري.
التأثير على القطاعات الاقتصادية
تؤثر أزمة المياه على مختلف القطاعات الاقتصادية، خاصة الزراعة والصناعة. كما تؤثر سلباً على خطط إعادة الإعمار التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه للمشاريع الإنشائية والتنموية.










