تشهد أسعار مواد البناء في مصر، وعلى رأسها الحديد والأسمنت، ارتفاعات متتالية وغير مسبوقة، الأمر الذي أثار قلقاً واسعاً في أوساط المطورين العقاريين وشركات المقاولات والمواطنين على حد سواء. وفي الوقت الذي تتخذ فيه الحكومة المصرية خطوات جديدة لضبط السوق ومواجهة هذه الأزمة، تتزايد التحديات المالية التي تواجه القطاعات المرتبطة بصناعة البناء والتشييد.
الوضع الحالي لأسعار الحديد والأسمنت
أسعار الحديد تسجل مستويات قياسية
شهدت أسعار الحديد في السوق المصري تذبذبات حادة خلال الأسابيع الماضية، حيث وصل سعر طن الحديد الاستثماري إلى 38,355 جنيهاً، بينما سجل حديد عز أعلى الأسعار بـ 39,862 جنيهاً للطن. وتنوعت أسعار باقي الأنواع بين:
حديد ستيل: 36,500 جنيه للطن
حديد السويس: 36,000 جنيه للطن
حديد بشاي: 36,244 جنيهاً للطن
وكشف أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، أن أسعار الحديد بالمصانع لم تتخط 26 ألف جنيه للطن، فيما الزيادات الحالية غير مبررة وتأتي من التجار والموردين.
أسعار الأسمنت بين الارتفاع والانخفاض
على صعيد الأسمنت، سجل سعر طن الأسمنت الرمادي 3,878.56 جنيهاً، مع تباين أسعار الشركات المختلفة:
أسمنت المعلم: 3,350 جنيهاً
أسمنت السهم: 3,390 جنيهاً
أسمنت الفهد: 3,340 جنيهاً
أسمنت وادي النيل: 3,350 جنيهاً
أسمنت مصر بني سويف: 3,395 جنيهاً
ورغم هذه الأرقام، أشار تقرير حديث إلى أن أسعار الأسمنت شهدت تراجعاً بنحو ألف جنيه للطن مقارنة بأسعار مايو الماضي، نتيجة ضخ كميات كبيرة من الأسمنت بالسوق من قبل الشركات الوطنية التابعة لجهاز الخدمة الوطنية.
قرارات حكومية حاسمة لضبط السوق
وزير الصناعة يمنح مهلة شهر لمصانع الأسمنت
في خطوة حاسمة لمواجهة أزمة ارتفاع الأسعار، أصدر الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، قراراً بمنح مهلة لمدة شهر لكافة شركات الأسمنت على مستوى الجمهورية لإعادة تشغيل جميع خطوط الإنتاج المتوقفة.
ويهدف هذا القرار إلى تلبية احتياجات السوق المحلية من الأسمنت باعتبارها أولوية قصوى في المرحلة الحالية، على أن يتم تصدير الفائض للأسواق الخارجية بعد تلبية متطلبات السوق المحلية.
إلغاء نظام الكوتة الإنتاجية
من أبرز القرارات التي تم اتخاذها إلغاء “نظام الكوتة” أو الحصص في إنتاج مصانع الأسمنت نهائياً، والسماح لها بالعمل بكامل طاقتها الإنتاجية. كما تم التأكيد على ضرورة التزام المصانع بتدوين الحد الأقصى لسعر البيع على شكائر الأسمنت.
تشديد الرقابة على السوق
ستقوم وزارة الصناعة، بالتنسيق مع الجهات المعنية، بتنفيذ حملة معاينات شاملة لجميع مصانع الأسمنت، لمراجعة مدى التزام كل مصنع بتشغيل خطوطه الإنتاجية المرخصة بالكامل.
أسباب ارتفاع أسعار مواد البناء
تعطيش السوق وتقليل الإنتاج
أكد أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية، أن ارتفاع أسعار مواد البناء، وعلى رأسها الأسمنت، يعود بشكل رئيسي إلى تعطيش السوق وتقليل حجم الإنتاج من قبل المنتجين بهدف زيادة الأرباح.
وأضاف أن الشركات المنتجة للأسمنت عمدت إلى تقليل المعروض في السوق المحلي عبر تعطيش العرض ورفع الأسعار، ما أسهم في تحقيق أرباح أكبر على حساب المستهلكين.
التوجه للتصدير
أشار الزيني إلى أن الاتجاه المتزايد للتصدير خلال الفترة الأخيرة أدى إلى تقليل المعروض محلياً، مما زاد من حدة ارتفاع الأسعار. وقد ارتفعت صادرات الأسمنت المصرية حوالي 2% خلال أول 7 أشهر من العام الماضي لتصل إلى 525 مليون دولار.
غياب الرقابة
كشف الزيني عن وجود فوضى تسعيرية في سوق مواد البناء والتجار يحققون مكاسب خيالية غير مبررة، مؤكداً أن غياب الرقابة على الأسواق والمصانع والتجار هو السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار مواد البناء.
ارتفاع أسعار الطاقة والوقود
ساهمت الزيادات المتتالية في أسعار الوقود والطاقة في رفع تكاليف الإنتاج والنقل. حيث أعلنت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية زيادة أسعار البنزين والسولار في أبريل 2025، مما أثر مباشرة على تكاليف إنتاج ونقل مواد البناء.
تأثير الأزمة على القطاعات المختلفة
قطاع المقاولات يواجه تحديات جسيمة
تشهد شركات المقاولات المصرية أزمة حقيقية بسبب ارتفاع تكاليف مواد البناء. فقد توقف عدد من شركات المقاولات خلال الأسابيع الماضية عن العمل بشكل “مؤقت” في بعض المشروعات، بسبب نقص حاد في توريد الأسمنت.
وأوضح المهندس محمد سامي سعد، رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، أن القطاع من المتوقع أن يشهد زيادة إضافية جديدة على التكلفة الإجمالية لعمليات البناء بنسبة تصل إلى 10% كحد أدنى خلال 2025.
صناعة التشييد تعاني ضغوطاً متزايدة
شهدت صناعة التشييد والبناء زيادات ملحوظة على التكلفة الإجمالية لعمليات الإنشاء في مختلف المشاريع، إذ وصلت نسب الزيادة لما يتراوح بين 30 إلى 50% في بعض المشاريع، وتجاوزت 60% في المشاريع التي تعتمد على المعدات المستوردة.
القطاع العقاري يشهد ارتفاعات حادة
أشار خبراء عقاريون إلى أن أسعار العقارات في مصر شهدت ارتفاعاً يصل إلى 50% خلال العام الحالي، نتيجة مباشرة لارتفاع أسعار مواد البناء. وحذر مطورون من أن هذه الزيادات تربك عمليات التسعير وتؤثر على القطاع العقاري الذي يعمل به ما يقرب من 5 ملايين مواطن.
تأثير ضريبة القيمة المضافة
شهد قطاع المقاولات تغييرات مهمة في نظام ضريبة القيمة المضافة، حيث تم رفع النسبة من 5% إلى 14% على أعمال المقاولات. ومع ذلك، أوضح مدير غرفة التطوير العقاري أن التأثير على أسعار العقارات لن يكون كبيراً، حيث أن التغيير يمثل جزءاً ضئيلاً من المدخلات، ونسبة التأثير لن تزيد عن نصف في المائة أو أقل.
فوائد للقطاع
من الجانب الإيجابي، يعد إلغاء ضريبة الجدول على أعمال المقاولات خطوة إيجابية، حيث سيتمكن القطاع من خصم ضريبة المدخلات، مما يقلل من التكاليف الإجمالية للمشاريع.
واردات مصر من خام الحديد
نمو في الواردات رغم التحديات
أظهرت البيانات الرسمية أن واردات مصر من خام الحديد ومركزاته سجلت زيادة طفيفة في عام 2024 بنسبة 1.9%، لتصل قيمتها إلى 1.658 مليار دولار مقارنة بـ 1.627 مليار دولار في عام 2023.
وكانت خمس دول رئيسية هي المصدر الأساسي لهذه الواردات، وهي البرازيل، عمان، البحرين، السويد، وكندا، التي استحوذت على 95.6% من إجمالي واردات مصر.
مطالبات برلمانية بالتدخل
تحركات نيابية مكثفة
شهد البرلمان المصري تحركات مكثفة من النواب للمطالبة بالتدخل لضبط أسعار مواد البناء. حيث تقدم عدد من أعضاء مجلس النواب بطلبات إحاطة وبيانات عاجلة حول ارتفاع أسعار السلع الغذائية ومواد البناء، متهمين المحافظين بالمسؤولية في عدم ضبط الأسعار.
مطالبات بدعم المصنعين
طالب نواب بـدعم المصنعين لمواجهة ارتفاع أسعار الحديد ومواد البناء، في ظل الضغوط المالية المتزايدة على شركات القطاع.
يتوقع خبراء أن تشهد أسعار مواد البناء استقراراً نسبياً في الفترة المقبلة، بشرط تنفيذ القرارات الحكومية الجديدة بفعالية. وأشار أحمد الزيني إلى أن قرار إلغاء خفض الطاقة الإنتاجية لمصانع الأسمنت من المفترض أن يؤدي إلى زيادة المعروض وبالتالي تراجع الأسعار خلال الفترة المقبلة.
تحديات مستمرة
مع ذلك، تبقى التحديات المرتبطة بتقلبات أسعار الطاقة العالمية والدولار عوامل مؤثرة على استقرار الأسعار على المدى الطويل.










