شهد الأردن ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب على الذهب خلال عام 2025، مدفوعاً بعوامل اقتصادية وجيوسياسية متعددة تجعل من المعدن الأصفر ملاذاً آمناً للمدخرين والمستثمرين. ووفقاً لأحدث البيانات، ارتفعت أسعار الذهب في الأردن بنسبة 15% منذ بداية العام 2025، حيث وصل سعر الأونصة إلى مستوى قياسي بلغ 3023 دولاراً.
تعكس هذه الزيادة في الطلب تغيراً في سلوك المستهلكين الأردنيين، حيث تحول تركيزهم من شراء الذهب للزينة والمناسبات الاجتماعية إلى اقتنائه كوسيلة ادخار وحماية من التضخم. أشار ربحي علان، نقيب تجار الحلي والمجوهرات، إلى أن “المواطنين باتوا ينظرون إلى الذهب كوسيلة ادخار آمنة بدلاً من مظاهر التزين”.
استراتيجية البنك المركزي في تعزيز احتياطيات الذهب
يقود البنك المركزي الأردني الطلب المؤسسي على الذهب من خلال استراتيجية طموحة لتعزيز الاحتياطيات. ارتفعت قيمة احتياطي الذهب في الأردن إلى 4.763 مليار دينار مع نهاية فبراير 2025، مقارنة بـ 4.257 مليار دينار في نهاية عام 2024، بزيادة بلغت 506 ملايين دينار.
تطبق الإدارة النقدية استراتيجية مرنة تشمل البيع والشراء حسب تطورات السوق العالمية، حيث باع البنك المركزي 105 آلاف أونصة من الذهب في فبراير ثم عاد واشترى 100 ألف أونصة. هذه العمليات تعكس وعياً بأهمية الذهب كأداة للتحوط من التضخم وتقلبات العملة في ظل عدم اليقين الجيوسياسي.
العوامل المحركة للطلب على الذهب
الأوضاع الجيوسياسية
تساهم التوترات الجيوسياسية في المنطقة بشكل كبير في زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن. مع استمرار الصراعات في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، يلجأ المستثمرون عالمياً إلى الذهب لحماية ثرواتهم من التقلبات.
السياسات النقدية العالمية
تؤثر سياسات البنوك المركزية العالمية على أسعار الذهب، خاصة قرارات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة. انخفاض العوائد على السندات يجعل الذهب أكثر جاذبية كأصل استثماري.
التضخم والتحوط
يستخدم المستثمرون الذهب كأداة تحوط ضد التضخم، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة وتراجع القوة الشرائية للعملات الورقية.
تطور طلب المستهلكين الأردنيين
تحول في أنماط الشراء
شهدت أنماط شراء الذهب تغييراً جذرياً خلال عام 2025. بينما تراجع الطلب على المصوغات الذهبية للزينة بنسبة 60% مقارنة بالأشهر الماضية، ازداد التوجه نحو شراء السبائك والليرات الذهبية لأغراض الادخار والاستثمار.
يفضل المستثمرون الأردنيون السبائك الذهبية على المجوهرات لأن “أجور مصنعيتها قليلة جداً مقارنة بالمجوهرات، أو قد تكون صفرية للسبائك الكبيرة، مما يجعلها تحتفظ بقيمتها بشكل أفضل”.
الطلب الموسمي
يتأثر الطلب على الذهب بالمواسم والمناسبات الاجتماعية. تشهد أشهر الصيف (يوليو وأغسطس وسبتمبر) ارتفاعاً في الطلب بسبب “عودة المغتربين والمناسبات التي تخللت فصل الصيف”.
التأثير على العادات الاجتماعية
تأجيل الزواج بسبب أسعار الذهب
أدى الارتفاع الكبير في أسعار الذهب إلى تأثيرات اجتماعية عميقة، أبرزها تأجيل قرارات الزواج. وصل سعر غرام الذهب عيار 21 إلى 66.58 دينار في يوليو 2025، مما يجعل شراء الحلي الذهبية التقليدية للزواج عبئاً مالياً كبيراً على الشباب.
يشير زيد الفقيه، أحد الشباب المقبلين على الزواج، إلى أن “توفير مهر الفتاة والذي يبدأ من خمسة آلاف دينار كحد أدنى، لم يعد كافياً لأن جزءاً كبيراً منه يذهب لشراء الحلي الذهبية”.
انخفاض حالات الزواج
انعكس هذا التأثير في انخفاض عقود الزواج في الأردن بنسبة 7% في عام 2023، حيث بلغت 59,772 عقداً مقارنة بـ 63,972 عقداً في عام 2022. كما انخفضت حجوزات قاعات الأفراح بنحو 50-60% منذ الصيف.
التوقعات المستقبلية لسوق الذهب الأردني
توقعات الأسعار
تتباين التوقعات حول أسعار الذهب في النصف الثاني من عام 2025. تتوقع مؤسسة جولدمان ساكس وصول السعر إلى 3000 دولار للأونصة بحلول نهاية 2025، بينما ترى جيه بي مورجان إمكانية وصوله إلى 3675 دولاراً.
استمرار الطلب الاستثماري
من المرجح أن يستمر الطلب على الذهب كاستثمار في الأردن، خاصة مع التوقعات بعدم استقرار الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. يساهم هذا الطلب في دعم احتياطيات البنك المركزي وتعزيز استقرار الدينار الأردني.
نمو قطاع التصدير
تشهد القطاعات التصنيعية للذهب نمواً في الصادرات إلى الأسواق العالمية، حيث وصلت قيمتها إلى نحو 700 مليون دولار سنوياً. هذا النمو يساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي ويخفف من تأثير ارتفاع الأسعار على السوق الداخلية.










