بعد غياب دام 23 يوما منذ اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية في 13 يونيو/حزيران 2025، عاد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي للظهور العلني مساء السبت، خلال مراسم عاشوراء في حسينية الخميني بطهران.
هذا الظهور، الأول له منذ بدء التصعيد العسكري، أثار سلسلة تساؤلات في الداخل الإيراني والخارج حول أسباب غيابه الطويل، ودلالات خروجه المفاجئ من “الظل”، في ظل مرحلة سياسية وأمنية معقدة تمر بها الجمهورية الإسلامية.
خامنئي يظهر بعد صمت الحرب
مجلة نيوزويك الأمريكية اعتبرت أن ظهور خامنئي “قد يعكس ثقة متزايدة بأمنه الشخصي”، بعد مرور أيام على وقف إطلاق النار بين طهران وتل أبيب، بينما رجحت أن يكون القرار أيضا استجابة لحاجة سياسية عاجلة لإعادة فرض الهيبة، في وقت تعاظمت فيه الشكوك حول مكانه وصحته ونفوذه داخل النظام.
من جانبها، وصفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية الظهور العلني بأنه “الأول منذ اندلاع الحرب”، مستحضرة تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال فيها إنه كان على علم بمكان اختباء خامنئي لكنه قرر عدم استهدافه “في الوقت الحالي”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الإجراءات الأمنية المحيطة بالمرشد شهدت تشديدا غير مسبوق خلال الحرب، في مؤشر على حالة الخطر المباشر التي تعرض لها رأس النظام الإيراني.
الكاريزما الدينية في مواجهة انكشاف أمني
عكست مراسم عاشوراء هذا العام مشهدا رمزيا مزدوجا: خامنئي بملابس الحداد بين أنصاره، والذاكرة القريبة تحفل بأيام من الصمت والتواري في ظل ضربات إسرائيلية وصفت بأنها “الأقسى” في تاريخ المواجهات غير المباشرة بين الطرفين.
وقد استهدفت إسرائيل قيادات بارزة في الحرس الثوري، ومراكز أمنية حساسة، في محاولة – كما تقول بعض التقديرات – لـ”قطع رأس الأفعى”.
ورغم إعلان النظام الإيراني “الانتصار” في المعركة، إلا أن شبكة CNN نقلت عن خبراء قولهم إن مصداقية خامنئي تضررت بشكل غير مسبوق، خاصة بعد الضربة الأولى في الحرب التي أودت بحياة كبار القادة في غضون ساعات.
ويضيف علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، أن الرواية التي بناها النظام على مدى سنوات – أن القمع في الداخل يضمن الأمن في الخارج – “قد تحطمت الآن في نظر الإيرانيين”.
رسائل الظهور: للداخل والخارج
العودة العلنية لخامنئي، في ذروة مناسبة دينية تستخدم سياسيا لترسيخ الولاء، ليست خالية من الرسائل المحسوبة.
ورأت صحيفة الغارديان البريطانية أن ظهوره “مدروس بعناية”، يحمل إشارات طمأنة للداخل الذي يعاني من أزمات اقتصادية خانقة وتصاعد في النقمة الشعبية، ورسائل للخارج بأن النظام لا يزال متماسكا رغم الاستهداف المباشر.
في المقابل، كان الإعلام الإسرائيلي أكثر حذرا وتشكيكا. فبينما رأت القناة 14 المؤيدة لنتنياهو أن الظهور محاولة لتأكيد “عودة الأمور إلى طبيعتها”، كشف موقع فالانيوز أن خامنئي بدأ حياة سرية منذ بدء الحرب، وقلل من تواصله حتى مع أقرب مستشاريه خوفا من الاستهداف المباشر، مع تزايد التهديدات باغتياله.
هل عاد الحاكم أم مجرد ظله؟
عودة خامنئي إلى الظهور لا تعني بالضرورة عودة كاملة للسيطرة، بل قد تكون إشارة إلى هشاشة السلطة أكثر منها إلى قوتها. إنها لحظة سياسية معقدة، قد تمثل بداية فصل جديد في علاقة خامنئي مع الشعب والنظام، فصل تطرح فيه أسئلة صعبة: هل ما زال يمسك بكامل خيوط اللعبة؟ أم أن نظامه يواجه اهتزازا داخليا قد لا تنقذه الخطابات الدينية أو الظهور الرمزي؟
في نهاية المطاف، لا تزال أصداء الحرب الأخيرة ترخي بظلالها على طهران، وظهور خامنئي – رغم أهميته الرمزية – قد يكون مجرد خطوة في مسار يعيد فيه النظام ترتيب أوراقه تحت وطأة التهديدات والشكوك والانكشاف.










