كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن إمكانية عقد لقاء محوري بين الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، خلال شهر سبتمبر المقبل. ووفقاً لهذه التقارير، فإن اللقاء المرتقب سيتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين التي تُعقد سنوياً من 23 إلى 29 سبتمبر في نيويورك.
وبحسب ما نقلته القناة الإسرائيلية الـ24، فإن هذا اللقاء سيُعقد برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تولى منصبه للمرة الثانية في يناير 2025. وتشير التقارير إلى أن الهدف الأساسي من هذا اللقاء هو توقيع اتفاقية أمنية بين الطرفين كخطوة أولى نحو اتفاقية سلام شاملة وتطبيع العلاقات بين البلدين.
الخلفية السياسية والسياق الإقليمي
يأتي هذا التطور في ظل تغيرات جذرية شهدتها المنطقة، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 وتولي أحمد الشرع رئاسة سوريا الانتقالية في يناير 2025. وقد أدت هذه التطورات إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، خاصة مع انسحاب إيران وحزب الله من المعادلة السورية، مما فتح المجال أمام إمكانيات جديدة للتسوية الإقليمية.
وأعلن الرئيس ترامب في مايو 2025 عن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، وذلك بناءً على طلب من عدة دول شرق أوسطية، بما في ذلك إسرائيل. وقد صرح ترامب بأنه “أُعجب” بالرئيس الشرع بعد لقائهما، قائلاً: “رفعنا العقوبات لأننا أردنا منح سوريا فرصة”.
تفاصيل الاتفاقية الأمنية المحتملة
تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الاتفاقية الأمنية المحتملة ستتضمن عدة بنود أساسية:
الترتيبات الأمنية الحدودية
تحديث اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 بين البلدين عقب حرب أكتوبر
تنسيق أمني واستخباراتي مباشر بين دمشق وتل أبيب لمواجهة التهديدات الإيرانية وحزب الله
إمكانية وضع قوات أمريكية في الخط الفاصل بدلاً من القوات الأممية التقليدية
التعاون الاقتصادي والموارد
إمكانية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى سوريا
تنسيق إدارة الموارد المائية في حوض نهر اليرموك
إقامة مشاريع مشتركة مثل موقع تزلج مشترك في جبل الشيخ
القضايا الإقليمية
اعتراف إسرائيلي محتمل بسيادة سوريا على مزارع شبعا المتنازع عليها
إمكانية التوصل إلى اتفاق ثلاثي يضم الأردن لتنظيم تقاسم موارد المياه
المواقف الرسمية والنفي السوري
رغم التقارير الإسرائيلية المتزايدة حول هذه المفاوضات، نفت مصادر رسمية سورية صحة عقد أي لقاءات مباشرة بين الرئيس الشرع ومسؤولين إسرائيليين. وقال مصدر في وزارة الإعلام السورية: “لا صحة لما يتم تداوله بشأن انعقاد أي جلسات أو اجتماعات بين السيد الرئيس أحمد الشرع ومسؤولين إسرائيليين”.
الموقف السوري الرسمي
أكد مصدر رسمي سوري أن “التصريحات المتعلقة بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل في الوقت الحالي سابقة لأوانها”. وأضاف المصدر أنه “لا يمكن الحديث عن التفاوض بشأن اتفاقيات جديدة إلا بعد الالتزام الكامل باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 والانسحاب من الجولان السوري المحتل”.
ومع ذلك، فقد أقر الرئيس الشرع بوجود “مفاوضات غير مباشرة” مع إسرائيل عبر وسطاء، مؤكداً أن هدفها هو “تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة”.
ردود الأفعال والتحليلات
الموقف الإسرائيلي
أعلن رئيس الوزراء نتنياهو أن الرئيس السوري “فتح قناة اتصال مع إسرائيل”، معتبراً أن هذه المبادرة تمثل “فرصة تاريخية للسلام في المنطقة”. وأشار إلى أن “السوريين سيكسبون الكثير إذا اختاروا طريق السلام”، محذراً من أن العودة إلى الصراع ستكبد سوريا خسائر كبيرة.
التحليل الخبراء
يرى الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، الدكتور سمير التقي، أن “ما نشهده من تفاؤل إسرائيلي تجاه سوريا لا يمكن أن يكون بدون أساس”. وأضاف: “الإسرائيليين لا يتفاءلون إلا بالأشياء الملموسة، ويبدو أنهم يحصلون على أشياء ملموسة”.
من جانبه، يؤكد القانوني والمحلل السياسي السوري فراس خليل أن دمشق لن تقبل بالشروع في عملية تفاوض نهائية مع إسرائيل قبل تعهد إسرائيلي صريح بالانسحاب من الأراضي السورية التي اجتاحتها عقب سقوط نظام الأسد.
التحديات والعقبات
قضية الجولان المحتل
تبقى هضبة الجولان السوري المحتل العقبة الأساسية أمام أي تفاهم شامل. فبينما تصر إسرائيل على أن “الجولان سيبقى جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل”، تؤكد سوريا أن أي اتفاق يجب أن يتضمن انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من الأراضي المحتلة.
الرأي العام السوري
تشير استطلاعات الرأي إلى تباين في المواقف الشعبية السورية حول التطبيع مع إسرائيل. فبينما يرى البعض أنه “لا مشكلة في أن نجري مفاوضات سلام مع إسرائيل، لكن بما يحفظ كرامة سوريا”، يحتفظ آخرون بموقف أكثر تحفظاً تجاه هذا التوجه.
التدخلات الإسرائيلية المستمرة
منذ سقوط نظام الأسد، نفذت إسرائيل أكثر من 750 عملية عسكرية في سوريا، شملت قصفاً وتوغلات. وتشكل هذه الممارسات تحدياً أمام بناء الثقة المطلوبة لإنجاح أي عملية سلام.
الدور الأمريكي والوساطة الدولية
يلعب الرئيس ترامب دوراً محورياً في هذه المفاوضات، حيث أرسل مبعوثاً إلى دمشق بهدف تثبيت اتفاق بين الطرفين. وقد عرض ترامب إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وسوريا مقابل موافقة إسرائيل على إنهاء الحرب في غزة.
كما أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم باراك أن “الحوار بين سوريا وإسرائيل بدأ والجميع يسرع للتوصل إلى اتفاق”. وقد التقى باراك بنتنياهو مؤكداً الاهتمام الإسرائيلي بالتفاوض على اتفاقية أمنية محدثة والعمل على التوصل إلى اتفاق سلام شامل.










