حريق سنترال رمسيس، تحولت منطقة الأزبكية بوسط القاهرة يوم الاثنين 7 يوليو 2025 إلى ساحة معركة حقيقية ضد النيران، عندما اندلع حريق هائل في سنترال رمسيس، أحد أهم مراكز الاتصالات في مصر، وسط هذا الجحيم المشتعل، كتب رجال الحماية المدنية ملحمة بطولية حقيقية امتدت لأكثر من خمس ساعات من الكفاح المضني ضد ألسنة اللهب.
اللحظات الأولى: استنفار عاجل وسباق مع الزمن
الساعة 5:30 مساء – تلقت غرفة عمليات الحماية المدنية بالقاهرة إخطارا عاجلا بنشوب حريق ضخم في سنترال رمسيس، بدأت سحابة دخان كثيفة تغطي سماء منطقة رمسيس والمناطق المجاورة، واتضح خلال دقائق أن النيران اشتعلت في الطابق السابع من مبنى سنترال رمسيس المكون من عشرة طوابق.
وعلى الفور، انطلقت 12 سيارة إطفاء كدفعة أولى نحو موقع الحريق، وصلت خلال دقائق إلى 40 سيارة إطفاء و20 سيارة إسعاف في عملية استنفار واسعة لم تشهدها العاصمة من قبل،واستعانت قوات الإطفاء بسلمين هيدروليكيين للوصول إلى الطوابق العلوية وإنقاذ المحاصرين.
إنقاذ المحاصرين وسط الجحيم
وتمكن رجال الإطفاء من إنقاذ عدد من الموظفين الذين حاصرتهم النيران داخل مكاتبهم بسنترال رمسيس، جرت عملية الإخلاء وسط تصاعد كثيف للأدخنة التي غطت المكان بالكامل، مما تسبب في صعوبة الرؤية وتهديد حياة العالقين.
وكذلك تمكنت فرق الإنقاذ من إخلاء عدد من العاملين العالقين وسط سحب كثيفة من الدخان وتصاعد مستمر للنيران.

وشارك في عمليات الإطفاء نحو 10 سيارات إطفاء مدعومة بخزان مياه استراتيجي، إلى جانب فرق الإنقاذ التي تمكنت من إنقاذ عدد من العالقين داخل المبنى في ملحمة بطولية لرجال الحماية المدنية وسط ظروف صعبة وكثافة دخان عالية.
معركة الخمس ساعات: التحديات الفنية والظروف القاسية
واجه رجال الحماية المدنية تحديات فنية هائلة في موقع الحريق، حيث أدت صعوبة التهوية داخل بعض الطوابق إلى تعقيد عمليات الإخلاء والإنقاذ. كما شهد الحريق انفجار عدة أجهزة تكييف بالطابق السابع، مما أدى إلى زيادة كثافة الأدخنة وتصاعد ألسنة اللهب.
اتخذت قوات الإطفاء مزيدا من الاحتياطات وأمنت المناطق المحيطة بالمبنى، خاصة بعد تصاعد خطر امتداد الحريق لأجزاء أخرى من السنترال. وفصلت الأجهزة المعنية التيار الكهربائي والغاز عن المبنى بالكامل حفاظا على سلامة الفرق المشاركة.

إستراتيجية الإطفاء المتدرجة
عمل رجال الحماية المدنية على تتبع مسار الحريق داخل المبنى وصولا إلى مركز الحريق. وبعد نحو خمس ساعات من الكفاح المضني، تمكنوا من السيطرة على النيران. لكن النيران تجددت مرتين أخريين، مما دفع القوات إلى مواصلة الجهود للسيطرة الكاملة على بؤر النيران المتبقية داخل السنترال.
تواصل فرق الحماية المدنية جهودها في تتبع بؤر الحريق داخل المبنى لمنع تجدد النيران، واستكمال عمليات التبريد بعد السيطرة على معظم ألسنة اللهب. ويستمر رجال الحماية المدنية حتى الآن في عمليات التبريد والتأمين الكامل للموقع.

شهادات الرعب: أصوات من قلب الكارثة
وروى أحد شهود العيان، وهو صاحب محل مجاور للمبنى: “المنطقة كلها اسودت فجأة، لقينا دخان بيغطي الشارع والناس بتجري، ومحدش كان فاهم حاجة، لحد ما شفنا اللهب طالع من فوق السنترال”.
وأكد عامل بمقهى قريب من موقع الحريق: “كنا شايفين موظفين بيزعقوا من الشبابيك، وفي ناس بتحاول تخرج من الأدوار العالية.. كان المنظر مرعب والله”. وشهدت المنطقة حالة من الذعر بعدما بدأت ألسنة اللهب في التمدد، وسط محاولات يائسة من البعض للهروب من الداخل.
لحظات الرعب داخل المبنى
كشفت التحقيقات أن الضحايا الأربعة لقوا حتفهم اختناقا بالدخان، بعدما حالت كثافة الأدخنة دون تمكنهم من مغادرة موقع الحريق في الوقت المناسب. هؤلاء الضحايا من موظفي الشركة المصرية للاتصالات هم: المهندس محمد طلعت، المهندس أحمد رجب، المهندس أحمد مصطفى (من نيابة الشؤون الفنية)، ووائل مرزوق (من نيابة الموارد البشرية).

التنسيق مع الخدمات الطبية
دفعت هيئة الإسعاف المصرية بـ17 سيارة إسعاف مجهزة للتعامل مع حالات الإصابة. وتم نقل المصابين إلى مستشفيات القبطي وصيدناوي والمنيرة والهلال والدمرداش الجامعي. وبلغ العدد الإجمالي للمصابين 27 مصابا، معظمهم بحالات اختناق.
وأصيب 33 فردا من رجال الحماية المدنية والشرطة خلال مشاركتهم في جهود الإطفاء، بينهم 10 من رجال الشرطة، نقلوا جميعا إلى عدد من المستشفيات لتلقي العلاج.
وتعرض 10 من رجال الحماية المدنية للاختناق أثناء مكافحة ألسنة اللهب، فيما أصيب 7 آخرون باختناقات شديدة نتيجة استنشاق الدخان الكثيف، وتم نقلهم عبر سيارات الإسعاف إلى المستشفى القبطي.

كما أصيب شرطيان، أحدهما بحروق في اليدين واختناق، فيما نقل الآخر إلى المستشفى إثر تعرضه لاختناق حاد.
وأعلنت وزارة الصحة أن عدد المصابين الذين جرى نقلهم إلى مستشفيات القبطي، صيدناوي، المنيرة، الهلال، والدمرداش الجامعي بلغ 27 مصابا، في حين تم تقديم الإسعافات الأولية لعدد من الحالات في موقع الحادث دون الحاجة للنقل.
وفي خضم عمليات الإنقاذ، تمكنت قوات الحماية المدنية من انتشال 4 جثامين من داخل المبنى، لتضاف إلى حصيلة الخسائر البشرية التي خلفها الحريق.
ونعت الشركة المصرية للاتصالات، في بيان رسمي، أربعة من موظفيها الذين لقوا مصرعهم خلال الحريق، مؤكدة أن الفاجعة تسببت أيضا في تضرر شبكة الاتصالات وخدمات الإنترنت والدفع الإلكتروني في عدد من المناطق.
يبقى رجال الحماية المدنية والشرطة، كما دائما، في الصفوف الأمامية للمخاطر، يقدمون أرواحهم ثمنا لحماية المواطنين، في مشهد يعكس عظمة التضحية ونبل الواجب.

التعويضات والدعم
من جانبه أعلن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات عن تعويض جميع العملاء المتضررين من انقطاع الخدمة بسبب الحريق. كما وجهت الشركة المصرية للاتصالات بتوفير دعم شامل لأسر الضحايا يشمل الجوانب المادية والمعنوية، تقديرا لما قدمه العاملون الأربعة من تضحيات.
وكشف هذا الحادث عن أهمية دور رجال الحماية المدنية كخط دفاع أول في مواجهة الكوارث، وضرورة تزويدهم بأحدث المعدات والتدريب المتخصص لمواجهة حرائق المباني الحيوية. كما أكد على ضرورة مراجعة إجراءات الأمان بالمباني الحيوية ووضع خطط إخلاء فعالة.










