وفاة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي: رحيل عالم حديث وداعية سلفي بارز عن عمر ناهز 92 عاماً
أعلنت مصادر موثقة عن وفاة الشيخ العلامة ربيع بن هادي بن عمير المدخلي، أحد كبار علماء الحديث والسنّة في المملكة العربية السعودية، عن عمر ناهز 92 عاماً، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والدعوي امتدت لأكثر من سبعة عقود في خدمة العلم الشرعي والمنهج السلفي.
النشأة والتكوين العلمي المبكر
ولد الشيخ ربيع بن هادي المدخلي عام 1351 هجري (1932 ميلادي) في قرية الجرادية الصغيرة، غربي مدينة صامطة بمحافظة جازان جنوب المملكة العربية السعودية. نشأ يتيماً بعد وفاة والده عندما كان عمره سنة ونصف، فتولت والدته تربيته في كنف عمه.
بدأ رحلته العلمية في سن الثامنة عندما التحق بحلقات التعليم في قريته، حيث تعلم الخط والقراءة وحفظ القرآن الكريم. التحق بالمعهد العلمي في مدينة صامطة وتخرج منه عام 1380 هجري، ثم انتقل إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة حيث تخرج من كلية الشريعة عام 1384 هجري بتقدير ممتاز.
الدراسات العليا والتأهيل الأكاديمي
واصل مسيرته الأكاديمية بحصوله على درجة الماجستير في الحديث من جامعة الملك عبد العزيز عام 1397 هجري برسالته المشهورة “بين الإمامين مسلم والدارقطني”. وفي عام 1400 هجري حصل على الدكتوراه بتقدير ممتاز بتحقيقه لكتاب “النكت على كتاب ابن الصلاح” للحافظ ابن حجر العسقلاني.
عاد بعدها إلى الجامعة الإسلامية ليعمل مدرساً بكلية الحديث الشريف، حيث درّس الحديث وعلومه وترأس قسم السنة بالدراسات العليا عدة مرات، ووصل إلى رتبة “أستاذ كرسي”.
الشيوخ والأساتذة المؤثرون
تتلمذ الشيخ ربيع على يد نخبة من كبار علماء عصره، ومن أبرزهم:
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، الذي درس عليه العقيدة الطحاوية وأثنى عليه ووصفه بأنه “من خيرة أهل السنة”. كما تأثر بشدة بـالشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، الذي وصفه بأنه “رأس أهل الحديث في هذا العصر”.
ودرس أيضاً على الشيخ محمد أمان الجامي والشيخ عبد المحسن العباد وغيرهم من علماء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
المؤلفات والإنتاج العلمي الضخم
ترك الشيخ ربيع تراثاً علمياً ضخماً يتجاوز الثلاثين مؤلفاً، تنوعت بين التحقيقات العلمية والردود على أهل البدع والمؤلفات في العقيدة والمنهج. ومن أشهر مؤلفاته:
التحقيقات العلمية:
- “بين الإمامين مسلم والدارقطني” (رسالة الماجستير)
- “النكت على كتاب ابن الصلاح” للحافظ ابن حجر (رسالة الدكتوراه)
- تحقيق كتاب “المدخل إلى الصحيح” للحاكم
- تحقيق كتاب “التوسل والوسيلة” للإمام ابن تيمية
الكتب في العقيدة والمنهج:
- “منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل”
- “منهج أهل السنة في نقد الرجال والكتب والطوائف”
- “مكانة أهل الحديث”
- “عقيدة الأنبياء”
منهجه في الجرح والتعديل
اشتهر الشيخ ربيع بتخصصه في علم الجرح والتعديل، وكان من أبرز من طبق هذا العلم على المعاصرين من الدعاة والعلماء. وقد دافع عن استمرارية هذا العلم وضرورة تطبيقه في العصر الحديث.
أكد أن “الجرح والتعديل باقٍ إلى يوم القيامة” وأن “علم الجرح علم مستقل” كما ذكر الحاكم في كتابه “معرفة علوم الحديث”. وشدد على ضرورة البيان والتحذير من أهل البدع والضلال وفقاً لمنهج السلف الصالح.
ثناء العلماء وتزكياتهم
حظي الشيخ ربيع بثناء وتزكية من كبار علماء عصره، حيث:
الشيخ ابن باز وصفه بأنه “من خيرة أهل السنة”. والشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال عنه: “الشيخ ربيع أعرفه سلفي” و”من علماء السنة وعقيدته سليمة”.
كما أثنى عليه الشيخ صالح الفوزان ووصفه بأنه “طيب ومعروف وعالم”، والشيخ صالح اللحيدان رحمه الله قال عنه: “نعم الرجل في عقيدته وفي غيرته على الدين”.
دوره في الدعوة السلفية العالمية
لعب الشيخ ربيع دوراً محورياً في نشر المنهج السلفي وتأصيله، حيث ركز على أهمية التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح. وقد امتد تأثيره إلى خارج المملكة العربية السعودية، حيث انتشرت كتبه ومحاضراته في العالم الإسلامي.
أكد في دعوته أن “الدين متكامل لا نحتاج إلى آراء وأفكار من أي جهات، فالدين كامل في كتاب الله وفي سنة رسول الله”. ودعا إلى ضرورة الاعتصام بحبل الله والثبات على المنهج السلفي.
منهجه في التربية العلمية
كان للشيخ ربيع منهج واضح في التربية العلمية، حيث أكد على أهمية حفظ الكتب العلمية والتتلمذ على العلماء. وشدد على ضرورة التواضع في طلب العلم وعدم الاكتفاء بالدراسة الذاتية.
كما أكد مراراً على تبرئه من التقليد، داعياً الناس إلى أن يكونوا “أتباعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم” وليس مقلدين لأي عالم مهما كانت مكانته.
الوفاة والتأبين
توفي الشيخ ربيع بن هادي المدخلي فجر يوم الخميس الموافق 14 محرم 1447 هجري (9 يوليو 2025 ميلادي) عن عمر يناهز 92 عاماً، بعد معاناة مع أمراض الشيخوخة. وقد نعاه العلماء وطلاب العلم في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
وفي وصاياه الأخيرة، أكد على أهمية “احترام المنهج السلفي والثبات عليه، واحترام علمائه” وضرورة عدم مخالفة العلماء إذا قالوا حقاً وساقوا عليه الأدلة.
وفاة ربيع المدخلي تثير صراعات في ليبيا
كان الشيخ المدخلي أحد أبرز علماء الحديث والسنة في العالم الإسلامي، ومؤسس ما يُعرف بـ”التيار المدخلي” أو “السلفية المدخلية”، والذي أثار جدلاً واسعاً في أوساط المسلمين لسنوات.
تأثير المدخلي على الساحة الليبية
لم تكن وفاة الشيخ ربيع المدخلي مجرد حدث عادي في ليبيا، بل أظهرت عمق تأثير التيار السلفي المدخلي في الساحة الليبية. فقد سارعت شخصيات سياسية وعسكرية بارزة من مختلف الأطياف إلى نعي الشيخ الراحل، بما في ذلك الفريق صدام حفتر، رئيس أركان القوات البرية التابعة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي.
وأكد صدام حفتر في بيان نعي أن الشيخ ربيع “أفنى عمره في خدمة الدين الصحيح، ومحاربة التطرف والغلو، ونشر العلم الصحيح ومنهج الوسطية والاعتدال”. كما نعته الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في طرابلس، واصفة إياه بأنه “كان جبلاً في نصرة السنة”.
انتشار التيار المدخلي في ليبيا
يُعتبر التيار المدخلي من أبرز التيارات الدينية التي انتشرت في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي في 2011. وفقاً لتقرير مجموعة الأزمات الدولية، فإن السلفيين المداخلة “اكتسبوا نفوذاً كبيراً في سائر أنحاء ليبيا، بما في ذلك في مجموعات مسلحة ومؤسسات دينية رئيسية”.
ويتميز التيار المدخلي بعدة خصائص رئيسية تميزه عن غيره من التيارات السلفية:
الولاء المطلق للسلطة: يُعتبر من أدبيات المداخلة عدم جواز معارضة الحاكم وعدم إبداء النصيحة له في العلن
محاربة الفكر الحزبي: يشن التيار هجوماً على الجماعات الإسلامية والحزبية التي ترى جواز الخروج على الحاكم
التركيز على العقيدة: يركز على نشر المعتقدات السلفية الأثرية والتحذير من البدع
الصراع مع التيار المالكي التقليدي
شهد المشهد الديني الليبي تصاعد حدة التوتر بين أنصار التيار المدخلي وأتباع المذهب المالكي التقليدي. فقد أقالت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية، التي يقودها محمد حميدة العباني المحسوب على التيار المدخلي، عدداً من مشايخ وأئمة المساجد المالكيين من مناصبهم.
وأثارت هذه الإقالات استنكاراً واسعاً من “مجلس حكماء وأعيان طرابلس المركز”، الذي أعرب عن رفضه لما وصفها بـ”الإجراءات التعسفية”. كما شهدت عدة مناطق في ليبيا أعمال هدم للأضرحة والزوايا الصوفية، مما أثار جدلاً واسعاً حول استهداف التراث الديني الليبي التقليدي.
صدام حفتر والمعادلة الجديدة في ليبيا
صعود صدام حفتر في المشهد السياسي
يُعتبر صدام حفتر، النجل الأصغر للمشير خليفة حفتر، من أبرز الشخصيات الصاعدة في المشهد السياسي والعسكري الليبي. وُلد عام 1991 أو 1993، وتولى قيادة لواء طارق بن زياد منذ 2016، والذي يُوصف بأنه “مُعد لقمع أي معارضة للجيش الوطني الليبي”.
تدرج صدام حفتر في الرتب العسكرية بسرعة، حيث حصل على رتبة نقيب في الأردن عام 2016، ثم رُقي إلى رائد فمقدم ثم عقيد، وأخيراً إلى رتبة عميد في مايو 2023. وفي عام 2024، رُقي إلى رتبة فريق أول ركن وعُيّن رئيساً لأركان القوات البرية.
التحالف مع التيار المدخلي
أظهرت الأحداث الأخيرة في ليبيا وجود تحالف استراتيجي بين صدام حفتر والتيار المدخلي. فقد أشارت تقارير إلى أن “كتيبة سبل السلام”، وهي إحدى الكتائب التابعة لحفتر في منطقة الكفرة، تتبنى الفكر السلفي المدخلي. كما تولى أنصار التيار المدخلي مناصب مهمة في المؤسسات الدينية والأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي










