في حادثة استثنائية تكشف عن خطورة الوضع الأمني في سوريا، يواصل رجل الأعمال البارز هاشم أنور العقاد اختفاءه القسري منذ أكثر من أربعة أشهر، رغم دفع عائلته فدية قدرها 5 مليون دولار أمريكي – أكبر فدية في تاريخ سوريا الحديث.
تفاصيل الاختطاف الصادم
اختُطف العقاد في 14 مارس 2025 بوضح النهار في منطقة المزة قرب فندق “غولدن مزة” في الفيلات الشرقية بدمشق، على يد عصابة مسلحة منظمة. وأكد وائل رنكوسي، ابن شقيقة العقاد، أن الحادثة تمت في ظروف مثيرة للقلق، حيث نفذت العملية في منطقة تشهد حضوراً أمنياً مكثفاً.
هاشم العقاد: شخصية اقتصادية بارزة ومثيرة للجدل
يشغل هاشم العقاد، المولود عام 1961، منصب رئيس مجلس إدارة شركة أبناء أنور العقاد، التي تأسست في دمشق عام 1935.
ويدير العقاد مع إخوته عبد الكريم ومحمد سامر إمبراطورية تجارية ضخمة تضم أكثر من 14 كياناً اقتصادياً في قطاعات متنوعة تشمل النفط والغاز، العقارات والمقاولات، السياحة، الخدمات، الإعلام، والصناعات الغذائية.
ودخل العقاد مجلس الشعب السوري عام 1994 كأصغر الأعضاء سناً، واستمر نائباً حتى عام 2012 دون انقطاع.
كما شغل عضوية مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق منذ عام 1992، ما جعله شخصية مؤثرة في الأوساط الاقتصادية والسياسية.
علاقات دولية معقدة
كشفت وثائق ويكيليكس أن العقاد كان مقرباً من السفارة الأمريكية ولعب دور الوسيط بين المخابرات السورية والأمريكية.
وفي المقابل، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه عام 2014 بسبب علاقاته القوية مع النظام السوري، بينما لم تفرض الولايات المتحدة أي عقوبات.
زوجته تناشد السلطات
نشرت زوجته الدكتورة ميساء دبج عدة مناشدات عبر حسابه الشخصي تطالب بالكشف عن مصيره، وسط صمت رسمي مثير للقلق. كما وجهت رسالة مؤثرة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع تطالبه بالتدخل الشخصي لحل القضية.
وتفاعل رجال الأعمال السوريون بقوة مع الحادثة، حيث ناشد مجموعة كبيرة من تجار دمشق الجهات المعنية بنشر الخبر والتدخل لإنقاذ العقاد. هذا التضامن يعكس خطورة التهديد الذي تواجهه الطبقة الاقتصادية في سوريا.
موجة اختطاف تستهدف رجال الأعمال
لم يكن العقاد الوحيد، فقد شهدت سوريا في 2025 سلسلة من حوادث اختطاف رجال الأعمال البارزين:
يوسف حسن الأصفر: اختُطف في 15 يونيو 2025 في مدينة حماة، ولا يزال مصيره مجهولاً.
ممتاز يوسف أحمد: اختُطف في 5 يونيو 2025 في طرطوس، مع مطالبة بفدية قدرها 80 ألف دولار.
عامر بشير ربيع: اختُطف في 25 يونيو 2025 في حماة.
تأثير كارثي على الاستثمار
حذر الباحث الاقتصادي السوري عامر شهدا من الأثر الكارثي لعمليات الخطف على مناخ الاستثمار، مشيراً إلى أن مثل هذه الجرائم تدفع رجال الأعمال إلى الهروب والتردد في إطلاق مشاريعهم داخل سوريا.
الوضع الأمني المتدهور
تشير التقارير إلى أن الوضع الأمني في سوريا لا يزال “متقلباً بشكل كبير”، حيث لم تنجح الحكومة الجديدة في فرض سيطرة أمنية شاملة سوى في دمشق ومحيطها.
وتواجه سوريا تحديات متعددة تشمل نشاط فلول النظام السابق، والجماعات الإرهابية، والعصابات المنظمة.
وتكتسب منطقة المزة، حيث اختُطف العقاد، أهمية خاصة كونها تحتضن عدداً من المقار الحكومية والأمنية. شهدت المنطقة عدة حوادث أمنية في 2025، بما في ذلك هجمات على قوات الأمن وانفجارات مثيرة للجدل.
تراجع الثقة في النظام الجديد
يأتي اختفاء العقاد رغم دفع فدية قياسية ليطرح تساؤلات خطيرة حول قدرة السلطات على حماية المواطنين ورجال الأعمال. هذا الفشل في حل القضية رغم الدفع المالي الضخم يقوض الثقة في فعالية النظام الأمني الجديد.
وتأتي هذه الأحداث في وقت تحاول فيه الحكومة الانتقالية إعادة هيكلة الاقتصاد والتعامل مع إرث النظام السابق. يرى خبراء أن حوادث الاختطاف قد تؤثر سلباً على جهود إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات.
قلق بين رجال الأعمال السوريين
تطالب الأوساط التجارية والاقتصادية بتدخل عاجل من السلطات لحل قضية العقاد والقضايا المشابهة. كما تؤكد على ضرورة تعزيز الأمن وسيادة القانون لضمان بيئة آمنة للأعمال والاستثمار.
ويدعو المراقبون إلى إجراء إصلاحات أمنية شاملة تشمل تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية، ومحاسبة المتورطين في الجرائم، وإرساء سيادة القانون في جميع أنحاء البلاد.
وتشكل قضية هاشم العقاد اختباراً حقيقياً لقدرة الحكومة السورية الجديدة على فرض الأمن والاستقرار. فرغم دفع أكبر فدية في تاريخ سوريا، لا يزال مصير هذا الرجل مجهولاً بعد أكثر من أربعة أشهر من الاختطاف.










