منظمات حقوقية ترفع دعوى قضائية في باريس ضد جنديين فرنسيين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة
رفعت عدة منظمات حقوقية دولية، على رأسها الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، شكوى قانونية أمام القضاء الفرنسي ضد جنديين فرنسيين إسرائيليين، تتهمهما بارتكاب عمليات إعدام ميدانية لمدنيين فلسطينيين في قطاع غزة خلال الفترة بين نوفمبر 2023 ومارس 2024.
الشكوى، التي قدمت إلى وحدة متخصصة في محكمة باريس القضائية في الأول من يوليو، تستند إلى تحقيقات موثقة، وتتهم الجنديين – اللذين حددت هويتهما بـ”ساشا أ” و”غابرييل ب” – بالمشاركة في عمليات قتل ممنهجة، قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل وأعمال إبادة جماعية، وفق القانون الدولي.
وحدة “الأشباح”: قنص بدم بارد
ينتمي المتهمان إلى وحدة نخبة إسرائيلية تعرف باسم “وحدة الأشباح” (رفائيم)، تضم قناصة من مزدوجي الجنسية، من بينهم فرنسيون وأمريكيون وإثيوبيون وبلجيكيون. وتقول المنظمات الحقوقية إن ما يقارب 4,000 فرنسي يخدمون حاليا في الجيش الإسرائيلي.
وتستند الشكوى إلى تحقيق صحفي أجراه الإعلامي الفلسطيني المستقل يونس الطيراوي، تضمن لقطات مصورة وشهادات حية توثق عمليات قنص استهدفت مدنيين، بينهم أطفال ومسعفون، قرب مستشفيي النصر والقدس في خان يونس – وهي مناطق تعرضت لقصف إسرائيلي مكثف.
في تسجيل مصور ضمن الوثائقي، صرح قناص إسرائيلي أميركي يدعى دانيال راب صراحة:
“نطلق النار على الرجال في سن التجنيد داخل منطقة القتال، حتى لو لم يكونوا يشكلون تهديدا مباشرا… القناص لديه مساحة تقدير واسعة، وفي النهاية يعود القرار إليه.”
“لا استثناء لإسرائيل”
المنظمات التي قدمت الشكوى تشمل مؤسسة الحق، مركز الميزان، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، وجمعية التضامن مع فرنسا وفلسطين. ويقول المحامي ونائب رئيس الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، أليكسيس ديسواف:
“لا يوجد استثناء لإسرائيل. يجب أن تتحقق العدالة. الإفلات من العقاب يغذي الجرائم المستقبلية.”
وأضاف أن وجود شهادات دقيقة من الضحايا أو شهود عيان – تتطابق مع الأدلة المصورة التي جمعها الطيراوي – يجعل من هذه القضية “استثنائية وقابلة للملاحقة بجدية”. وأكد أن العدالة وحدها لن توقف الإبادة، لكنها خطوة ضرورية لتغيير الواقع على الأرض.
التزامات فرنسا القانونية
بموجب اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تلتزم فرنسا بملاحقة مواطنيها المتورطين في جرائم دولية، خصوصا إن كانوا يقيمون على أراضيها أو يحملون جنسيتها.
تقول الشكوى إن الاستراتيجية المزعومة لوحدة “الأشباح” تقوم على “إطلاق النار على أي رجل في سن التجنيد داخل مناطق العمليات، دون وجود تهديد فعلي” – وهو ما يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني.
تحرك أوسع… وأمل ضعيف في الإرادة السياسية
لم تكن هذه الشكوى الأولى من نوعها. فقد سبق أن قدمت شكاوى مماثلة ضد جنود فرنسيين إسرائيليين، لكن بعضها رفض أو أسقط لغياب الإرادة السياسية.
في هذا السياق، عبر المحامي يوهان صوفي عن تشككه في استعداد الدولة الفرنسية للتحرك بجدية:”لا ألحظ أي رغبة حقيقية لدى القادة السياسيين في محاسبة المواطنين الفرنسيين المتورطين في جرائم موثقة في غزة. التردد السياسي هو العقبة الكبرى.”
العدالة الدولية: تقدم قضائي مقابل عجز دبلوماسي
يأتي هذا التحرك القضائي بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين، وأقرت محكمة العدل الدولية بخطر إبادة جماعية محتمل في غزة.
ورغم كل ذلك، يقول ديسواف إن “الصمت الغربي يدفن ما تبقى من القيم الأوروبية”، وإن هذا التواطؤ السياسي قد يكلف القانون الدولي سمعته ومصداقيته على المدى الطويل.
أرقام مفزعة
تجاوز عدد القتلى في قطاع غزة، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس، 57,000 شخص، إضافة إلى أكثر من 130,000 جريح. وقد اعتبرت الأمم المتحدة هذه الأرقام “ذات مصداقية عالية”، في ظل الاستهداف المنهجي للبنية التحتية المدنية والمراكز الطبية.










