بعد أكثر من عامين ونصف على توقيع اتفاقية السلام في بريتوريا بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي، يعود التوتر ليخيم على شمال البلاد، وسط مخاوف متزايدة من انهيار الهدنة الهشة وتجدد الحرب. ويبدو أن إريتريا، الجار الشمالي ذو التاريخ المعقد مع إثيوبيا، تلعب دورا متزايدا في زعزعة الاستقرار مجددا، بحسب تقارير وتحليلات جديدة.
اشتباكات وتحركات ميدانية
تشير التقارير الواردة خلال الأشهر الأخيرة إلى تحركات عسكرية واشتباكات متفرقة في مناطق متاخمة لتيغراي، وسط اتهامات لإريتريا بالتوغل داخل الأراضي الإثيوبية بعمق يصل إلى 10 كيلومترات. ووفقا لمنظمة “ذا سنتري” الأميركية، فإن الجيش الإريتري عزز مواقعه قرب الحدود، مخالفا نصوص اتفاق بريتوريا التي تنص على انسحاب جميع القوات غير الفيدرالية من إقليم تيغراي.
إريتريا: الطرف الغائب الحاضر
رغم أنها شاركت فعليا في الحرب ضد تيغراي بدعمها للحكومة الإثيوبية، لم تكن إريتريا طرفا رسميا في مفاوضات السلام. ويعد غياب الرئيس الإريتري إسياس أفورقي عن محادثات بريتوريا مؤشرا على تعقيد الأوضاع السياسية، وإشارة واضحة إلى احتمال عدم التزام إريتريا بمخرجات الاتفاق.
وتتهم تقارير منظمات حقوقية وأممية، وكذلك المعارضة الإثيوبية، القوات الإريترية بارتكاب انتهاكات جسيمة خلال الحرب، وتخشى من أن تجد إريتريا في اضطراب الأوضاع فرصة لتعزيز نفوذها أو حتى إشعال صراع جديد.
انقسامات تيغراي: ثغرة محتملة
تفاقم الأمور بسبب الانقسام الداخلي داخل جبهة تحرير شعب تيغراي، التي كانت القوة المهيمنة في الإقليم. فقد نشب صراع على القيادة، أدى إلى إقالة ديبريتسيون جبريميكائيل، وتعيين الجنرال تاديسي ويريدي، القائد العسكري السابق، رئيسا للحكومة المؤقتة.
هذا الانقسام أضعف الجبهة سياسيا وعسكريا، وفتح المجال أمام اتهامات بالتعاون مع إريتريا. ففيما يؤكد ديبريتسيون التزامه باتفاق بريتوريا، ويتهم الحكومة الإثيوبية بـ”التحضير للحرب”، تحاول الحكومة المؤقتة تهدئة المخاوف، وتنفي نيتها العودة إلى القتال.
دور الميليشيات المحلية: فانو في أمهرة
في موازاة الأزمة في تيغراي، لعبت ميليشيا فانو المسلحة في إقليم أمهرة دورا فوضويا، إذ خاضت معارك دموية مع القوات الفيدرالية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص في معركة واحدة، بحسب الحكومة. وتشير تقارير إلى أن إريتريا قامت بتدريب وتسليح بعض هذه الجماعات، بهدف تقويض الحكومة المركزية وفرض نفوذها الإقليمي.
حسابات آبي أحمد: البحر والسياسة
يرى محللون أن رئيس الوزراء آبي أحمد قد يستغل تصاعد التوتر في تيغراي لتحويل الأنظار عن أزمات داخلية متصاعدة، خصوصا مع اقتراب الانتخابات الوطنية المقررة في 2026. كما أن تجديد آبي لدعوته إلى تأمين منفذ بحري لإثيوبيا، في ظل واقع كون بلاده حبيسة، أثار مخاوف إقليمية ودولية، خصوصا مع الصومال التي تعتبر الخطاب تهديدا مباشرا.
وفي هذا السياق، يخشى أن تكون إريتريا ضمن حسابات آبي، إما كخصم محتمل أو كورقة ضغط في معادلة الوصول إلى البحر الأحمر.
خلفية تاريخية معقدة
يعود الجذر العميق للصراع إلى عام 1952، عندما ضمت إريتريا قسرا إلى إثيوبيا، مما أشعل حرب استقلال استمرت حتى عام 1993. وفي 2018، وقع البلدان اتفاق سلام وصف بالتاريخي، نال بسببه آبي أحمد جائزة نوبل للسلام. لكن استبعاد أفورقي من الاحتفال وتطبيق الاتفاق بشكل محدود ترك الباب مفتوحا لتجدد الخلافات.










