عادت قضية إزالة منازل الأهالي في منطقة الريسة بالعريش إلى الواجهة مجدداً، بعد أن أزالت محافظة شمال سيناء 7 منازل من أصل 180 منزلاً مستهدف إزالتها في المرحلتين الرابعة والخامسة من مخطط تطوير ميناء العريش. وتأتي هذه الخطوة بعد توقف دام عامين كاملين نتيجة الغضب الواسع من الأهالي وتدخل وزير النقل كامل الوزير آنذاك.
خلفية القضية: من البداية إلى التوقف
القرار الجمهوري الأصلي
بدأت القضية في منتصف عام 2019 عندما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار الجمهوري رقم 330 لسنة 2019، والذي نص على اعتبار ميناء العريش ومحيطه من أعمال المنفعة العامة. وقد شمل القرار تخصيص 371.46 فدان من الأراضي المحيطة بالميناء واللازمة لأعمال التطوير لصالح القوات المسلحة.
توسعة النطاق
في أكتوبر 2021، تم توسيع المنطقة المحددة للتطوير إلى 541 فدان من خلال القرار رقم 465 لسنة 2021، مما أدى إلى شمول مناطق سكنية أوسع. وقدرت الجهات الرسمية عدد المباني السكنية في المنطقة بـ1105 مبانٍ، إضافة إلى أكثر من 2 مليون متر مربع من الأراضي.
المراحل المنفذة سابقاً
نفذت المحافظة خلال عامي 2021 و2022 إزالات شملت المراحل الثلاث الأولى من المشروع، والتي تقع غرب المنطقة المحددة وتضم بشكل أساسي شاليهات على البحر. وقد واجهت هذه الإزالات احتجاجات من أهالي المرحلتين الرابعة والخامسة، اللتين تضمان كتلة سكنية أكبر من المراحل السابقة.
وعود كامل الوزير والتوقف
اجتماع يوليو 2022
في يوليو 2022، تدخل وزير النقل كامل الوزير شخصياً بعد تصاعد الاحتجاجات، حيث عقد لقاءً موسعاً مع ممثلين عن الأهالي في العريش. وخلال هذا الاجتماع، اعتذر الوزير عما وصفه بالأخطاء التي وقعت خلال الإزالات، مؤكداً أن “محدش هيطلع من بيته إلا على بيت زيه أو أحسن”.
توقف الإزالات وتشكيل اللجان
عقب هذا الاجتماع، توقفت الإزالات وبُني جدار فصل بين المناطق المزالة بالفعل وبين منازل المرحلتين الرابعة والخامسة. كما شكّلت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لجنة لمعاينة أراضي داخل العريش لإقامة حي سكني متكامل، وأطلعت الأهالي على مخططاته الهندسية دون أن تستقر على أرض لبنائه.
عودة الإزالات في يوليو 2025
إشارة مستعجلة من القاهرة
في يونيو 2025، طلب مكتب سكرتير عام محافظة شمال سيناء الاجتماع بلجنة الحكماء، وأخبرهم أن المحافظة تلقت “إشارة مستعجلة جداً لاستئناف الإخلاء والإزالة في أسرع وقت ممكن”. وقد فوجئ أعضاء اللجنة بعدم علم سكرتير عام المحافظة بوعود وزير النقل السابقة.
بداية التنفيذ الفعلي
في الأحد الماضي، دخلت معدات ثقيلة تابعة للمحافظة، مصحوبة بوحدات من الشرطة، إلى المناطق الواقعة في المرحلتين الرابعة والخامسة من مخطط ميناء العريش في حي الريسة. وطوّقت الشرطة مربعاً سكنياً في المنطقة الملاصقة لشارع الميناء القديم، وأمرت سكان منازله بإخلائها قبل أن تبدأ المعدات الثقيلة في الهدم.
ردود فعل الأهالي والاحتجاجات
هتافات الاحتجاج
نظّم الأهالي وقفات احتجاجية متعددة خلال الأيام الماضية، رددوا خلالها هتافات مثل “لا لا للتهجير”، و“لا لا للإزالات”، و“الأرض دي مصرية.. مش إماراتية”، و“مش هنسيب بيوتنا.. حتى لو على موتنا”.
ويرفض معظم الأهالي التعويضات المعروضة عليهم، معتبرين إياها “هزيلة وغير عادلة”. وأشار مصدر مسؤول إلى أن “العدد الأكبر من الأهالي يرفضون التسوية وترك منازلهم مقابل التعويضات التي أقرتها الحكومة”.
آلية التعويض والبدائل المعروضة
معايير التقييم
تعتمد آلية التعويض على معايير تم تحديدها عام 2019 وتشمل عدد الطوابق والمساحة ودرجة التشطيب، مع مراعاة وجود ترخيص من عدمه، بالإضافة إلى زيادة بنسبة 40% بناءً على توجيهات رئاسية لاحقة. وقد قدرت لجان التقييم سعر المتر في الشقة كاملة التشطيب بـ3500 جنيه نهاية عام 2022.
البدائل المعروضة
تسعى الحكومة لإقناع المواطنين بوسائل تعويض مختلفة، بينها:
- قطعة أرض مرخصة في تقسيم الريسة مقابل 200 ألف جنيه
- سكن مؤقت في حي السبيل
- شقة “تسليم مفتاح” في حي الريسة مقابل 350 ألف جنيه
- شاحنات مجانية لنقل الأثاث ومستلزمات المنازل
الأهداف الاستراتيجية لتطوير الميناء
الرؤية الاقتصادية
يهدف مشروع تطوير ميناء العريش إلى تحويله من ميناء للصيد والبضائع العامة إلى مركز تجاري ولوجيستي يخدم شبه جزيرة سيناء. وقد شهد الميناء تطويراً كبيراً في المرحلة الأولى، حيث ارتفع عدد السفن المترددة عليه من سفينة واحدة يومياً بحمولة 5 آلاف طن إلى 7 سفن يومياً بحمولات تزيد عن 45 ألف طن.
الجدل حول الاستثمار الإماراتي
مخاوف الأهالي
يربط بعض الأهالي والمراقبين بين مشروع تطوير ميناء العريش وما يرونه كـ“تمدد استثماري إماراتي” في الموانئ المصرية. وقد أثار هذا الأمر جدلاً واسعاً، خاصة في ظل وجود استثمارات إماراتية في ستة موانئ من إجمالي 16 ميناء مصرياً.
موقف الحكومة
تنفي الحكومة المصرية وجود أي استثمار إماراتي مباشر في ميناء العريش، مؤكدة أن التطوير يتم تحت إشراف الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.










