تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا انهياراً شبه تام في المنظومة الطبية والصحية، حيث تحول المستشفى الوطني الوحيد في المدينة إلى ما وصفه العاملون الطبيون بـ”مقبرة جماعية”، مع تكديس أكثر من 400 جثة في ممراته وأروقته منذ اندلاع الاشتباكات في 13 يوليو 2025.
وصف الطبيب عمر عبيد، نقيب أطباء السويداء، الوضع الكارثي قائلاً: “الجثث في الشوارع، والبرادات لم تعد تتسع، الجثث انتفخت… بالتأكيد هناك أكثر من 400 شهيد ما بين نساء وأطفال ومسنين ومقاتلين”.
أوضاع مأساوية داخل المستشفى الوحيد
تنبعث رائحة كريهة من الجثث المكدّسة والمنتفخة في أروقة المستشفى، والتي تبدّدت ملامح بعضها، وفقاً لما شاهده مراسلو وكالات الأنباء في المكان. يعمل فريق طبي صغير لا يتجاوز تسعة أشخاص من ممرضين وأطباء على تقديم العلاج للجرحى الذين ما زالوا يتدفقون إلى المستشفى.
تقول ربى، إحدى العاملات في الفريق الطبي، وهي تبكي: “الباقون اليوم في المستشفى هم تسعة عاملين، بين ممرضين وأطباء، لكل المستشفى، لا ينامون”. وتضيف: “الوضع سيئ جداً… لا ماء ولا كهرباء… والأدوية بدأت تنقص كثيراً”.
انهيار كامل في الخدمات الأساسية
نقص حاد في الكوادر الطبية والمستلزمات
يعمل المستشفى الوطني في السويداء بطاقم لا يتجاوز 25 طبيباً فقط، دون تأمين للطعام أو الأدوية، بسبب انقطاع الطرق المؤدية إليه. وقد تعرض المستشفى لخمس قذائف ورشقات رصاص، مما أدى إلى خروج قسم الإسعاف عن الخدمة.
وأوضح مدير صحة السويداء، أسامة قندلفت، أن القصف ألحق أضراراً بخزانات المياه داخل المستشفى، مما تسبب بإغراق قسم الإسعاف وتحويل الجرحى إلى بهو المستشفى.
انقطاع الخدمات الحيوية
تعاني المحافظة من انهيار تام في الخدمات الأساسية، حيث أشارت المنظمة الدولية للهجرة إلى أن “الخدمات الأساسية في السويداء من كهرباء وماء انهارت”، فضلاً عن “نقص بالوقود شلّ حركة النقل وعرقل عمليات الإجلاء الطارئة”.
دخلت محافظة السويداء وقراها يومها السابع دون إمدادات غذائية وكهرباء ومياه، نتيجة التوترات الأمنية. وتوقفت المخابز عن العمل، مما جعل الخبز “نادراً” في المدينة.
نداءات الاستغاثة من الكوادر الطبية
أطلقت الهيئة الإدارية لمستشفى السويداء الوطني نداءً عاجلاً، طالبت فيه الكوادر الطبية بالتوجه فوراً للمشفى، في ظل تدهور الخدمات الصحية وانقطاع الماء والكهرباء. كما دعت الجمعية الطبية السورية الألمانية جميع الأطباء العاملين في سوريا للتوجه نحو مستشفيات السويداء ودرعا لدعم الكوادر الطبية.
ناشدت الكوادر الطبية من داخل المستشفى قائلة: “نناشدكم من مشفى السويداء. نحن محاصرون بالمشفى. ساعدونا، نحن بحاجة لكادر طبي، وفك الحصار عنه حتى يدخل الدواء للمرضى، لا يوجد أي شيء هنا، حتى مواد التعقيم نفذت”.
الحصيلة الإنسانية المتصاعدة
أرقام مرعبة للضحايا
ارتفعت حصيلة القتلى في محافظة السويداء إلى 940 قتيلاً حتى السبت 19 يوليو 2025، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وكانت الحصيلة قد وصلت إلى 718 قتيلاً في وقت سابق، موزعين كالتالي:
226 من أبناء محافظة السويداء، بينهم 80 مدنياً، منهم 4 أطفال و4 سيدات
305 من عناصر وزارة الدفاع والأمن العام
165 شخصاً أُعدموا ميدانياً، بينهم 26 امرأة و6 أطفال
نزوح جماعي واسع النطاق
نزح 79,339 شخصاً من محافظة السويداء منذ 13 يوليو، بحسب المنظمة الدولية للهجرة، من ضمنهم 20,019 شخصاً نزحوا في يوم واحد (17 يوليو). وأعلن الدفاع المدني السوري عن إجلاء أكثر من 250 عائلة من السويداء وريفها.
التحديات والعوائق المستمرة
رغم إعلان وقف إطلاق النار، تواصلت الاشتباكات المسلحة في مدينة السويداء، مما يعقد وصول المساعدات الإنسانية والطبية. وقال الشيخ فادي بدرية، أحد المقربين من الرئيس الروحي للدروز: “الاشتباكات ما زالت مستمرة حتى بعد إعلان الهدنة… لا تصلنا أي مساعدات إنسانية أو طبية منذ أكثر من عشرة أيام”.
كارثة إنسانية متصاعدة
تواجه محافظة السويداء كارثة إنسانية وصحية حقيقية، مع انهيار شبه كامل في المنظومة الطبية وتحول المستشفى الوحيد إلى “مقبرة جماعية”. الأرقام المتصاعدة للضحايا والنازحين، إلى جانب نقص المواد الطبية الأساسية وانقطاع الخدمات الحيوية، تنذر بكارثة وبائية محتملة إذا لم تصل المساعدات العاجلة.
النداءات المتكررة من الكوادر الطبية والمدنيين تؤكد الحاجة الملحة لتدخل دولي عاجل وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الطبية والإنسانية، قبل تفاقم الوضع أكثر وتحول السويداء إلى منطقة موبوءة بالأمراض والأوبئة.










