أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة عن تسجيل 18 حالة وفاة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بسبب الجوع وسوء التغذية, في مؤشر مأساوي جديد على تفاقم الكارثة الإنسانية التي تضرب القطاع جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل. وأوضحت الوزارة أن إجمالي الوفيات بسبب الجوع بلغ 86 شخصاً، بينهم 76 طفلاً و10 بالغين منذ مارس الماضي.
تطور مأساوي لأزمة الجوع والمجاعة
تأتي هذه الأرقام الصادمة في سياق تصاعد أزمة الجوع في غزة منذ إغلاق إسرائيل جميع المعابر في الثاني من مارس 2025، مما أدى إلى منع دخول المساعدات الغذائية والطبية لأكثر من أربعة أشهر. وقد حذرت وزارة الصحة من أن المجاعة وصلت إلى مستويات كارثية تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان.
ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن 650 ألف طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية والجوع ونقص الغذاء، فيما تواجه نحو 60 ألف سيدة حامل خطراً حقيقياً جراء انعدام الغذاء والرعاية الصحية اللازمة.
المستشفيات تستقبل أعداداً غير مسبوقة من المجوّعين
أكدت وزارة الصحة أن المستشفيات في القطاع تستقبل يومياً مئات الحالات التي تعاني من إجهاد حاد وأعراض خطيرة نتيجة الجوع. وقال مدير مجمع الشفاء الطبي إن الطواقم الطبية تعمل دون طعام منذ أكثر من 24 ساعة، محذراً من تصاعد أعداد الوفيات خلال الساعات المقبلة نتيجة غياب الغذاء والعلاج.
وأشارت المصادر الطبية إلى أن أعداداً غير مسبوقة من المواطنين المجوّعين من كافة الأعمار تصل إلى أقسام الطوارئ في حالة إجهاد وإعياء شديدين. كما حذرت من أن المئات من الذين نحلت أجسادهم سيكونون عرضة للموت المحتم نتيجة الجوع وتخطي قدرة أجسادهم على الصمود.
أطفال غزة الأكثر تضرراً من المجاعة
تشير البيانات الطبية إلى أن الأطفال يشكلون الفئة الأكثر تضرراً من أزمة الجوع، حيث استشهدت الطفلة رزان أبو زاهر البالغة من العمر 4 سنوات صباح الأحد نتيجة مضاعفات سوء التغذية والجوع، لتكون الطفلة الرابعة التي ترتقي خلال 24 ساعة بسبب الجوع وسوء التغذية.
وأوضحت وكالة الأونروا أن واحداً من كل عشرة أطفال يتم فحصهم في المرافق الطبية التابعة للوكالة يعاني من سوء التغذية. وقال فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، إن سوء التغذية بين الأطفال في غزة ازداد وسط نقص حاد في إمدادات التغذية، مضيفاً أن طفلاً يبلغ من العمر سبعة أشهر اسمه سلام توفي من سوء التغذية الأسبوع الماضي.
مواقع توزيع المساعدات تتحول إلى “مصائد موت”
في تطور مأساوي آخر، تحولت مواقع توزيع المساعدات الأمريكية إلى ما وصفته المصادر الفلسطينية بـ”مصائد الموت”، حيث استقبل مجمع ناصر الطبي 32 شهيداً وعشرات الإصابات منذ فجر السبت نتيجة مجزرة إسرائيلية باستهدافهم في مركز توزيع المساعدات الأمريكية.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فقد سُجل مقتل 875 شخصاً في غزة أثناء محاولتهم الحصول على الطعام، منهم 674 قُتلوا بالقرب من مواقع مؤسسة غزة الإنسانية. وقد وصف مسؤولون في الأمم المتحدة هذه المواقع بأنها “فخ موت” و”مهانة”.
أصوات دولية تحذر من كارثة إنسانية
حذرت منظمة الصحة العالمية من أن 57 طفلاً توفوا من آثار سوء التغذية منذ بدء الحصار في الثاني من مارس. وقالت المنظمة إن الوضع في غزة يمثل واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، والتي تتكشف في الوقت الفعلي.
من جهتها، قالت وكالة الأونروا إن إسرائيل تجوّع مليون طفل في قطاع غزة. وحذر توم فليتشر، منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، من أن الوضع الإنساني أصبح كارثياً.
تقديرات صادمة للوضع الإنساني
وفقاً لتقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، فإن 470 ألف شخص في غزة سيواجهون جوعاً كارثياً خلال الفترة بين مايو وسبتمبر 2025، بزيادة قدرها 250 بالمائة عن التقديرات السابقة. كما يتوقع أن 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أم سيحتاجون إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد.
وأشار تقرير حديث إلى أن 98% من الأسر في غزة تعاني من انعدام أمن غذائي شديد، بينما 95% من الأسر تعاني من أشكال مختلفة من الجوع. كما أظهر التقرير أن متوسط الوزن انخفض من 74.8 كيلوغراماً قبل الحرب إلى 64.8 كيلوغراماً.
نداءات عاجلة لإنهاء الحصار
طالبت وزارة الصحة الفلسطينية المجتمع الدولي بالتدخل العاجل والفوري للضغط على الاحتلال لرفع قبضته الحديدية عن دخول إمدادات الغذاء والدواء. وقالت الوزارة في بيانها إن كل لحظة تمر دون دواء أو غذاء تعني حياة طفل أو امرأة أو شاب أو مسن.
وأضافت الوزارة أن ما يتعرض له أكثر من 2 مليون إنسان في قطاع غزة على مدار 21 شهراً من حرب الإبادة الجماعية لا يزال يشتد بضرباته المباشرة وغير المباشرة قتلاً وتدميراً وتجويعاً وحرماناً.
الخلاصة
تكشف الأرقام الصادمة التي أعلنتها وزارة الصحة في غزة عن كارثة إنسانية حقيقية تتفاقم يومياً، حيث تحول الجوع من أزمة إنسانية إلى سلاح إبادة جماعية ممنهج. وفاة 18 شخصاً في 24 ساعة فقط بسبب الجوع تمثل قمة المأساة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع المحاصر، في ظل صمت دولي مخزٍ وتواطؤ واضح مع جرائم الحرب المتواصلة.










