عاد سد النهضة الإثيوبي إلى حالة الامتلاء الكامل اليوم 20 يوليو 2025، حيث بلغ المخزون المائي نحو 60 مليار متر مكعب عند منسوب 638 متر فوق سطح البحر، وذلك بعد انقطاع دام نحو 10 أشهر منذ آخر مرة وصل فيها السد لهذا المستوى في 5 سبتمبر 2024. هذا التطور يأتي وسط تساؤلات جوهرية حول كفاءة تشغيل التوربينات ومدى قدرة إثيوبيا على تحقيق الأهداف المعلنة من هذا المشروع الضخم.
تحليل مفصل لتطورات المخزون المائي
كشف الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن بحيرة سد النهضة فقدت 5 مليار متر مكعب فقط خلال الأشهر العشرة الماضية، في حين كان من المفروض أن تستهلك التوربينات 30 مليار متر مكعب على الأقل في حالة تشغيلها بكفاءة 50%. هذا الانخفاض الطفيف يثير تساؤلات جدية حول الكفاءة الفعلية لتوربينات السد.
وأشار شراقي إلى أن عدم تشغيل التوربينات بكفاءة كان يتطلب تصريف المياه تدريجياً بدءاً من أبريل، ولكن لم تُفتح البوابات حتى لا ينكشف للعامة أن التوربينات لم تعمل بكفاءة وظلت مغلقة. هذا الأمر يكشف عن استراتيجية إثيوبية تهدف إلى إخفاء المشاكل التقنية الحقيقية في السد.
التحديات التقنية في تشغيل التوربينات
أظهرت الصور الفضائية استمرار خروج المياه عبر التوربينين المنخفضين فقط منذ نحو شهر، في حين تبقى التوربينات العلوية الأربعة خارج الخدمة. هذا الوضع يشير إلى مشاكل تقنية خطيرة في تشغيل السد، حيث من المفترض أن تعمل جميع التوربينات المركبة بكفاءة عالية.
كشف الخبير المصري أن التوربينات الأربعة للسد توقفت منذ أوائل سبتمبر الماضي، ولو كانت تعمل لاستطاعت تمرير معظم الفيضان الحالي دون الحاجة لفتح أي من بوابات المفيض. هذا التوقف يعكس فشلاً في الاستفادة من المياه المخزنة رغم السنوات التي تم فيها الترويج لمشروع التخزين الكبير.
السيناريوهات المتوقعة لإدارة المياه
مع عودة السد لحالة الامتلاء الكامل، تواجه إثيوبيا ثلاثة سيناريوهات رئيسية لإدارة المياه خلال الفترة القادمة:
السيناريو الأول: فتح بوابات المفيض العلوي
يجب على إثيوبيا فتح بوابتين من المفيض العلوي للمحافظة على المخزون الفعلي 60 مليار متر مكعب، رغم أن البحيرة يمكن أن تستوعب 4 مليار متر مكعب أخرى عند منسوب 640 متر. هذا الخيار يعتبر الأكثر أماناً من الناحية الهندسية.
السيناريو الثاني: التخزين حتى الممر الأوسط
قد تستمر إثيوبيا في تخزين المياه حتى منسوب الممر الأوسط، وسوف يكتمل ذلك في نهاية الشهر الجاري حيث أن متوسط الإيراد في الأيام القادمة 350 – 400 مليون متر مكعب يومياً.
السيناريو الثالث: الاعتماد على التوربينات
هذا السيناريو هو الأقل ترجيحاً نظراً للمشاكل التقنية الواضحة في تشغيل التوربينات، والتي لم تحقق سوى استهلاك 5 مليار متر مكعب فقط خلال 10 أشهر.
تأثيرات على دول المصب
الوضع في السودان
تشير التقارير إلى أن السدود السودانية لا تخزن مياه في بداية الموسم، وبواباتها مفتوحة الآن. هذا الوضع يجعل السودان أكثر عرضة للتأثر بأي تصريف مفاجئ من سد النهضة، خاصة أن المسافة بين سد الروصيرص السوداني وسد النهضة أقل من 100 كيلومتر.
الاستعداد المصري
أكدت وزارة الموارد المائية والري المصرية أن السد العالي في أتم الاستعداد لاستقبال أي كميات من المياه قادمة من اتجاه إثيوبيا. وفي جميع الأحوال، السد العالي جاهز لاستقبال مياه الفيضان سواء تم تصريفها من بوابات المفيض أو من أعلى الممر الأوسط.
التوقيتات الحرجة للتصريف
من المتوقع تصريف المياه من سد النهضة بدءاً من اليوم 20 يوليو في حالة فتح بوابات المفيض، أو من أعلى الممر الأوسط في 31 يوليو الجاري. هذه التوقيتات تتزامن مع بداية موسم الأمطار الغزيرة على الهضبة الإثيوبية، مما يزيد من الضغط على إدارة السد.
المخاطر الهندسية والأمنية
يحذر خبراء من أن الاحتفاظ بـ 60 مليار متر مكعب مع بداية موسم الأمطار يشكل عبئاً ضخماً على السد الرئيسي والسد المساعد. هذا الوضع قد يؤدي إلى:
- ضغط كبير على البنية الإنشائية للسد
- مخاطر على السد المساعد (سد السرج) الذي يعتبر الأضعف
- احتمالية حدوث فيضانات مدمرة في السودان في حالة التصريف المفاجئ
التطورات الجيوسياسية
موقف الولايات المتحدة
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول سد النهضة جدلاً واسعاً، حيث أكد أن الولايات المتحدة “موّلت بشكل غبي” بناء السد. وقال ترامب إن بلاده ستحل مشكلة سد النهضة بسرعة كبيرة، مشيراً إلى أن السد “يمنع المياه عن مصر”.
الرد الإثيوبي
في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اكتمال أعمال بناء سد النهضة ودعا مصر والسودان للمشاركة في احتفال الافتتاح الرسمي في سبتمبر المقبل. وأكد أن السد “لن يؤثر على تدفقات المياه إلى السد العالي”.
تحليل الوضع الاقتصادي والفني
فشل تحقيق الأهداف المعلنة
رغم اكتمال التخزين بـ 60 مليار متر مكعب، فإن السد لم يحقق الأهداف المعلنة في توليد الكهرباء. فقد كشفت المعطيات أن الطاقة المنتجة فعلياً لا تزيد عن 1450 ميجاوات، وهي أقل بكثير من الـ 5150 ميجاوات المعلنة.
التكلفة الاقتصادية
يشير الخبراء إلى أن فتح بوابات التصريف دون تمرير المياه على التوربينات يُعد اعترافاً واضحاً بفشل السد في تحقيق أهدافه الاقتصادية. هذا يعني أن إثيوبيا ستكون قد خزنت المياه لسنوات دون أي مقابل، وهو ما يتعارض مع الغرض من بناء السد.
التداعيات الإقليمية والمستقبلية
غياب التنسيق الإقليمي
يأتي هذا التطور في ظل استمرار غياب التنسيق الثلاثي بشأن تشغيل سد النهضة، ومع استمرار الخلافات حول آلية ملء وتشغيل السد دون اتفاق ملزم. هذا الوضع يزيد من المخاطر على الاستقرار الإقليمي.
ضرورة التعاون الإقليمي
تدعو مصر إلى أهمية تعاون إقليمي مشترك قائم على الشفافية واحترام حقوق الدول في مياه النيل، بما يحقق الأمن المائي للجميع ويحفظ الاستقرار في المنطقة.










