أصدرت مطرانية بصرى حوران وجبل العرب للروم الأرثوذكس بيانًا رسميًا قاطعًا في 22 يوليو 2025، تنفي فيه بشدة ما يتم تداوله من شائعات حول تهجير المسيحيين من محافظة السويداء.
جاء هذا البيان في سياق التوترات والاشتباكات العنيفة التي شهدتها المحافظة خلال يوليو 2025 والتي أدت إلى نزوح أكثر من 93 ألف شخص وسط مخاوف من تفكك النسيج الاجتماعي في المنطقة.
رسالة الثبات على الأرض والهوية
أكدت المطرانية في بيانها أن “أبناءنا في السويداء متمسكون بأرضهم وتراثهم، والكنيسة تقف معهم في كل الظروف؛ لتوفير الحماية والدعم الروحي والمجتمعي”.
وشددت على أن المسيحيين في السويداء يشكلون مكونًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي والتاريخي للمحافظة، معربة عن رفضها القاطع لأي محاولات تهجير أو ترهيب.
وجاءت العبارة الأكثر دلالة في البيان: “نحن شعب واحد متجذرون في هذه الأرض منذ آلاف السنين، ولن نسمح لأحد بزعزعة أمننا ووحدتنا”، في تأكيد واضح على الوحدة الوطنية والتمسك بالأرض رغم التحديات.
السياق الإنساني الصعب
يأتي هذا البيان في ظل أوضاع إنسانية صعبة للغاية تشهدها محافظة السويداء. فقد أطلقت المطرانية ذاتها في 18 يوليو 2025 نداءً إنسانيًا عاجلاً يصف الوضع المأساوي في المحافظة، حيث أكدت أن “محافظة السويداء، وفيها أكثر من 300 ألف عائلة، تعاني حالياً من اختناق، فلا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا غذاء”.
ووصفت الحالة بأنها “كارثة إنسانية تحدث عندنا الآن”، مطالبة بفتح المعابر الإنسانية ومساهمة العالم في إنهاء هذا الحصار. كما أكدت المطرانية أن “نحن باقون في هذا الجبل إلى المنتهى، طالبين من المولى الفرج السريع”.
الدور الرعوي والمجتمعي
في إطار جهودها لتعزيز الوحدة الاجتماعية، قام صاحب السيادة المتروبوليت أنطونيوس سعد، متروبوليت بصرى حوران وجبل العرب، بزيارة رعوية وتفقدية إلى مدينة شهبا، حيث عقد لقاءً مع الأمير الدكتور يحيى عامر لبحث سبل تعزيز التعاون والتنسيق المشترك لخدمة المجتمع المحلي.
واختتم المتروبوليت الزيارة بكلمة راعوية، حثّ فيها المؤمنين على التمسك بـ“قيم المحبة والتسامح والتعاون”، مشدداً على أن الكنيسة ستظل حاضرة إلى جانب الجميع، ومرافقتهم في مسيرة الصمود والرجاء.
التضامن المسيحي الواسع
انضم المسيحيون الكاثوليك في السويداء إلى هذا الموقف الراسخ، حيث أصدروا بيانًا مماثلاً أكدوا فيه رفضهم القاطع لأي دعوات للنزوح أو الهجرة، مطالبين بتوفير حماية دولية عاجلة لهم ولسكان المحافظة كافة.
وشدد البيان على التضامن الكامل مع جميع أهالي السويداء بمختلف طوائفهم، معتبرًا أن أي أذى يصيب مكونًا من مكونات المحافظة يطال الجميع دون استثناء.
الوضع الأمني والإنساني المتدهور
تشهد محافظة السويداء منذ 13 يوليو 2025 اشتباكات عنيفة بين فصائل درزية مسلحة وعشائر بدوية، أدت إلى سقوط أكثر من 1300 قتيل وتدهور كارثي في الأوضاع الإنسانية.
وقد وصفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الوضع بأنه “انهيار خطير في منظومة الخدمات الأساسية” نتيجة انقطاع شبه كامل في شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات.
كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن أكثر من 93 ألف مدني فروا من مدينة السويداء وعدد من قراها، في حين تشير أرقام أخرى إلى نزوح أكثر من 128 ألف مدني.
الجهود الدولية والمحلية للتهدئة
رغم التحديات الهائلة، تسود حالة “هدوء نسبي” في مدينة السويداء لليوم الثالث على التوالي بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار. وقد أكد مصدر أمني سوري أن “وقف إطلاق النار يتم تطبيقه بمعظم المناطق بلا خروقات”.
كما بدأت عائلات بالعودة إلى المدينة بعد أيام من النزوح، رغم استمرار غياب كامل للتيار الكهربائي لليوم التاسع على التوالي، وانقطاع المياه عن كامل المدينة.
خلاصة: صمود في وجه المحن
يمثل بيان مطرانية بصرى حوران وجبل العرب للروم الأرثوذكس شهادة حية على صمود المسيحيين في السويداء وتمسكهم بأرضهم وهويتهم رغم كل التحديات. هذا الموقف الراسخ، المدعوم بالعمل الرعوي والاجتماعي المستمر، يؤكد على أن الجذور العميقة للمسيحيين في هذه الأرض أقوى من أي محاولات للتهجير أو زعزعة الاستقرار.
إن تأكيد المطرانية على أن المسيحيين والدروز “شعب واحد متجذرون في هذه الأرض منذ آلاف السنين” يحمل رسالة واضحة مفادها أن الوحدة الوطنية والتعايش المشترك هما الضمانة الوحيدة لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة، وأن الكنيسة ستبقى منارة أمل وصمود في وجه كل المحن










