شهدت بريطانيا خلال الأشهر الأخيرة تسارعاً غير مسبوق في خروج أصحاب الثروات الكبرى، مع توجه قسمٍ كبيرٍ منهم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، يُتوقع أن تُغادر أصولٌ سائلة قيمتها 66 مليار جنيه إسترليني بريطانيا خلال 2025.
أحدث حلقات هذا النزيف تمثلت في قرار الملياردير النرويجي الشهير جون فريدريكسن، تاسع أغنى شخص مقيم في بريطانيا، إغلاق مقره اللندني وبيع قصره التاريخي في تشيلسي مقابل 250 مليون جنيه إسترليني، مهاجماً سياسات لندن الضريبية بقوله: «بريطانيا ذاهبة إلى الجحيم».
دوافع «الهروب الجماعي» للأثرياء
إلغاء وضع «غير المقيم ضريبياً» (Non-Dom) اعتباراً من أبريل 2025، ما يعني خضوع الدخل والأصول العالمية للضرائب البريطانية بعد أربع سنوات من الإقامة.
زيادة ضريبة الأرباح الرأسمالية ونقل الضرائب على المدارس الخاصة وخطط ميراث أكثر تشدداً، وهو ما وصفته شركات استشارات الثروات بأنه «أكبر خطأ ضريبي في جيل».
تراجع جاذبية لندن بعد بريكست، وضعف الجنيه، وغياب برامج جذب الاستثمار مثل تأشيرة المستثمر التي أُلغيت في 2022.
شهادات من الداخل
يقول دكتور يورغ شتيفن، الرئيس التنفيذي لشركة «هينلي آند بارتنرز»: «2025 لحظة فاصلة؛ لأول مرة تتصدر دولة أوروبية قائمة أعلى خسائر المليونيرات عالمياً».
ويضيف ستيوارت واكلينغ، الشريك المدير في الشركة نفسها: «البيئة الضريبية الجديدة تُفقِد بريطانيا قدرتها التنافسية، في حين تفتح دبي وأبوظبي أبوابهما عبر برامج الإقامة الطويلة».
قصة جون فريدريكسن: من تشيلسي إلى دبي
اشترى فريدريكسن (81 عاماً) قصر «ذا أولد ركتوري» في تشيلسي عام 2001 مقابل 37 مليون جنيه، ويعرضه اليوم بسعر يفوق سبعة أضعاف قيمته الأصلية.
وفي مقابلة مع صحيفة E24 النرويجية، قال: «العالم الغربي كله ينهار… والناس يجب أن ينهضوا ويعملوا أكثر بدلاً من العمل من المنزل». أغلقت مجموعته «سيتانكرز» مقرها قرب سلوان سكوير، ونُقل مركز العمليات إلى دبي.
لماذا الإمارات؟
نظام ضريبي جاذب: لا ضريبة على الدخل الشخصي أو الأرباح الرأسمالية، إضافةً إلى حدٍ أدنى لضريبة الشركات (9%) يبقى أدنى بكثير من المتوسط الغربي.
تأشيرة الإقامة الذهبية: إقامة قابلة للتجديد لعشر سنوات للمستثمرين وروّاد الأعمال والمهنيين ذوي المهارات العالية. أصدرت دبي وحدها 158,000 تأشيرة ذهبية في 2023.
بنية تحتية مالية: يضم مركز دبي المالي العالمي أكثر من 120 مكتباً عائلياً تُدير أصولاً بقيمة 1.2 تريليون دولار.
الأمان ونمط الحياة: تصنف دبي وأبوظبي ضمن المدن الأكثر أماناً عالمياً وتوفر مدارس دولية وقطاعاً صحياً متقدماً.
تأثيرات محتملة على الاقتصاد البريطاني
يشير تحليل «إندبندنت» إلى أن مليونيراً واحداً يرفد الخزانة بـ 393,957 جنيهاً سنوياً كمتوسط ضريبة دخل؛ ما يعني أن خسارة 16,500 ثري تعادل فقدان إيرادات 1.47 مليون دافع ضرائب متوسط. يحذر معهد «آدم سميث» من فجوة تمويل طويلة الأمد قد تضعف مكانة لندن المالية وتقيد الاستثمار.
أصوات مضادة: هل المخاوف مبالغ فيها؟
يرى البروفيسور رولاند أتكينسون (جامعة شيفيلد) أن الحديث عن «نزيف ثروات» يجب ألّا يُضخَّم، لأن «لندن تظل مركز جذب للقادمين الجدد». لكن مؤشرات «هينلي» تُظهر اتجاهاً معاكساً منذ 2013، حيث فقدت بريطانيا 8% من ثرواتها القابلة للهجرة خلال عقدٍ واحد.
إلى أين يتجه المسار؟
مراجعة التشريعات: أعلنت ريتشل ريفز تعديلات “أكثر سخاءً” على مرحلة الانتقال لنظام ما بعد الـNon-Dom بعد تحذيرات القطاع المالي.
سباق استقطاب عالمي: بينما تفقد بريطانيا 16,500 مليونير، تكسب الإمارات 9,800، والولايات المتحدة 7,500، وإيطاليا 3,600.
هجرة روّاد التكنولوجيا: خروج أسماء مثل كريستيان أنغيرماير (استثمارات دوائية) ونصيف ساويرس (أستون فيلا) يُهدد بريطانيا بخسارة شبكة علاقات رأسمالية عالمية.










