يشهد المشهد الأوروبي تطوراً لافتاً في موقفه من القضية الفلسطينية، خاصة بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر 2025. هذا التطور يضع فرنسا ضمن قائمة متنامية من الدول الأوروبية التي اتخذت خطوات مماثلة، مما يعكس تحولاً جذرياً في النهج الأوروبي تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
نظرة شاملة على الوضع الحالي
وفقاً للمعطيات الأحدث، تبلغ نسبة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تعترف بدولة فلسطين 44.4% (12 دولة من أصل 27). هذه النسبة في تزايد مستمر، خاصة مع الموجة الأخيرة من الاعترافات التي بدأت في مايو 2024، والتي شملت دولاً أوروبية مؤثرة مثل إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا، بالإضافة إلى النرويج غير العضو في الاتحاد.
تنقسم الدول الأوروبية المعترفة بفلسطين إلى ثلاث فئات زمنية رئيسية: دول اعترفت في الفترة السوفيتية (1988)، دولة واحدة في العقد الماضي (السويد 2014)، وموجة جديدة منذ 2024. أما فرنسا فستنضم رسمياً في سبتمبر 2025، لتصبح أقوى دولة أوروبية وأول عضو في مجموعة السبع الكبار تتخذ هذه الخطوة.
إحصائيات سريعة
- 12 دولة من أصل 27 عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف بفلسطين
- 44.4% نسبة الدول الأوروبية المعترفة
- 146 دولة حول العالم تعترف بدولة فلسطين
- فرنسا ستصبح أقوى دولة أوروبية معترفة
الدول الأوروبية المعترفة بفلسطين: التصنيف التاريخي
المجموعة الأولى: الاعتراف في الحقبة السوفيتية (1988)
شهدت سنة 1988 موجة اعتراف واسعة بدولة فلسطين من قبل الدول الأوروبية الشرقية، وذلك بعد إعلان ياسر عرفات استقلال فلسطين في 15 نوفمبر 1988. هذه الدول الثماني التي اعترفت آنذاك هي:
- بلغاريا: اعترفت في 25 نوفمبر 1988
- قبرص: اعترفت في نوفمبر 1988
- جمهورية التشيك: اعترفت في 1988 لكن ألغت اعترافها في 1992
- المجر: اعترفت في 23 نوفمبر 1988
- بولندا: اعترفت في نوفمبر 1988
- رومانيا: اعترفت في 24 نوفمبر 1988
- سلوفاكيا: اعترفت في نوفمبر 1988 وواصلت الاعتراف بعد استقلالها
من المثير للاهتمام أن بعض هذه الدول، خاصة التشيك والمجر، أصبحت من أقرب حلفاء إسرائيل في أوروبا, مما يؤكد أن الاعتراف بفلسطين لا يعني بالضرورة تبني سياسة معادية لإسرائيل.
المجموعة الثانية: السويد الرائدة (2014)
في خطوة تاريخية، أصبحت السويد في 30 أكتوبر 2014 أول دولة أوروبية غربية تعترف بدولة فلسطين أثناء عضويتها في الاتحاد الأوروبي. هذا القرار جاء وسط معارضة شديدة من إسرائيل والولايات المتحدة، لكنه مهد الطريق أمام موجة الاعترافات اللاحقة.
المجموعة الثالثة: موجة 2024 – التحول الجذري
شهد عام 2024 نقطة تحول حاسمة في الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية، حيث اعترفت أربع دول أوروبية بدولة فلسطين خلال فترة قصيرة:
الاعتراف المنسق (28 مايو 2024)
- إسبانيا: اعترفت رسمياً مع وصف رئيس الوزراء بيدرو سانشيز القرار بأنه “مسألة عدالة تاريخية”
- أيرلندا: اعترفت لـ”إبقاء الأمل حياً” في حل الدولتين
- النرويج: اعترفت كدولة أوروبية غير عضو في الاتحاد
الاعتراف اللاحق
- سلوفينيا: اعترفت في 4 يونيو 2024 بعد تصويت ساحق في البرلمان
- أرمينيا: انضمت في 21 يونيو 2024 كدولة أوروبية غير عضو في الاتحاد
فرنسا 2025: الاعتراف التاريخي المرتقب
يمثل إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نقطة تحول جيوسياسية في الموقف الأوروبي من فلسطين. ففرنسا، بصفتها أكبر وأقوى دولة أوروبية تعترف بفلسطين, تحمل وزناً دبلوماسياً واقتصادياً هائلاً.
تفاصيل الإعلان الفرنسي
“وفاءً بالتزامها التاريخي بسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، قررت أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين. سأعلن ذلك رسمياً خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل” – إيمانويل ماكرون
وحدد ماكرون شروطاً واضحة للاعتراف تشمل:
- نزع سلاح حماس العسكري وتأمين غزة وإعادة بنائها
- قبول الدولة الفلسطينية بنزع سلاحها والاعتراف الكامل بإسرائيل
- المساهمة في أمن الجميع في الشرق الأوسط
- تنفيذ وقف إطلاق النار فوراً وإطلاق سراح جميع الأسرى
الدول المرشحة للاعتراف القريب
مالطا: التأجيل المؤقت
كانت مالطا من المتوقع أن تعترف بدولة فلسطين في 20 يونيو 2025، لكنها أجلت قرارها بسبب تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة المشترك بين فرنسا والسعودية. رئيس الوزراء المالطي روبرت أبيلا أكد سابقاً أن بلاده “لا يمكنها أن تغمض عينيها عن هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة يومياً”.
مجموعة الدول المترددة
وفقاً لمصادر دبلوماسية، من المتوقع أن تنضم عدة دول أوروبية أخرى قريباً:
- بلجيكا: تنتظر انضمام دول أخرى لاتخاذ قرار جماعي
- لوكسمبورغ: تدرس التوقيت المناسب للاعتراف
- كرواتيا: متوقع أن تعترف قريباً
- اليونان: تدرس الاعتراف ضمن سياق أوروبي أوسع
جدول شامل للدول الأوروبية المعترفة بفلسطين
| الدولة | تاريخ الاعتراف | عضوية الاتحاد الأوروبي | الملاحظات |
|---|---|---|---|
| بلغاريا | 25 نوفمبر 1988 | ✓ | اعتراف في الحقبة السوفيتية |
| قبرص | نوفمبر 1988 | ✓ | اعتراف قبل الانضمام للاتحاد |
| التشيك | 1988 (ألغي 1992) | ✓ | وضع معقد بعد الانفصال |
| المجر | 23 نوفمبر 1988 | ✓ | مؤيد قوي لإسرائيل حالياً |
| بولندا | نوفمبر 1988 | ✓ | اعتراف في الحقبة السوفيتية |
| رومانيا | 24 نوفمبر 1988 | ✓ | اعتراف في الحقبة السوفيتية |
| سلوفاكيا | نوفمبر 1988 | ✓ | واصلت الاعتراف بعد 1992 |
| السويد | 30 أكتوبر 2014 | ✓ | أول دولة غربية تعترف |
| إسبانيا | 28 مايو 2024 | ✓ | قائدة موجة 2024 |
| أيرلندا | 28 مايو 2024 | ✓ | “إبقاء الأمل حياً” |
| سلوفينيا | 4 يونيو 2024 | ✓ | تصويت ساحق في البرلمان |
| فرنسا | سبتمبر 2025 (معلن) | ✓ | أقوى دولة أوروبية |
| النرويج | 28 مايو 2024 | ✗ | دولة أوروبية غير عضو |
| أرمينيا | 21 يونيو 2024 | ✗ | دولة أوروبية غير عضو |
التحديات والعقبات المستقبلية
المعارضة الأمريكية-الإسرائيلية
تواجه الدول الأوروبية المعترفة ضغوطاً شديدة من الولايات المتحدة وإسرائيل. فقد وصف نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ياريف ليفين قرار فرنسا بأنه “وصمة عار في تاريخ فرنسا ودعم مباشر للإرهاب”.
الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي
الاختلاف في المواقف بين الدول الأعضاء يضعف فعالية السياسة الأوروبية الموحدة تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مما يحد من تأثير الاعترافات الفردية.
التهديدات الإسرائيلية بالانتقام
هدد المسؤولون الإسرائيليون بـ“تطبيق السيادة على أجزاء من الضفة الغربية” رداً على الاعترافات الأوروبية، مما قد يؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة.
الآفاق المستقبلية والتوقعات
المؤتمر الدولي المرتقب
من المقرر أن تترأس فرنسا بالاشتراك مع السعودية مؤتمراً دولياً في الأمم المتحدة يهدف إلى تطبيق حل الدولتين وتحقيق السلام الشامل. هذا المؤتمر قد يشهد موجة جديدة من الاعترافات الأوروبية.
التأثير على المفاوضات الإقليمية
الاعترافات الأوروبية المتزايدة قد تعيد تشكيل ديناميكيات التفاوض في الشرق الأوسط، خاصة مع تزايد العزلة الدولية لإسرائيل وتعاظم الدعم الدولي للحقوق الفلسطينية.
احتمالية انضمام دول كبرى أخرى
مع نجاح فرنسا في كسر الحاجز النفسي للقوى الغربية الكبرى، قد نشهد انضمام دول مؤثرة أخرى مثل إيطاليا أو حتى المملكة المتحدة في المستقبل القريب.
خلاصة التطورات الأوروبية
تشهد أوروبا تحولاً تدريجياً لكن حاسماً في موقفها من القضية الفلسطينية، حيث تطورت نسبة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المعترفة بفلسطين من 8 دول في 2014 إلى 12 دولة بحلول 2025, مع احتمال وصول العدد إلى 16-17 دولة خلال العامين المقبلين.
هذا التطور يعكس تنامي الإحباط الأوروبي من السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، خاصة في ظل الحرب على غزة والأزمة الإنسانية المتفاقمة. كما يشير إلى تزايد الاقتناع بأن حل الدولتين لن يتحقق دون ضغط دولي حقيقي على إسرائيل.
إعلان فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين يمثل نقطة تحول استراتيجية قد تدفع المزيد من الدول الأوروبية لاتخاذ خطوات مماثلة، خاصة مع تزايد الضغط الشعبي والدبلوماسي لدعم الحقوق الفلسطينية.










