أعلن تحالف السودان التأسيسي، المعروف اختصارًا باسم “تأسيس”، السبت 26 يوليو 2025، تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة السلام الانتقالية من 15 عضوًا، برئاسة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وتعيين رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان عبد العزيز الحلو نائبًا له. كما أعلن التحالف اختيار محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء في هذه الحكومة الموازية.
جاء هذا الإعلان خلال انعقاد الدورة الثانية للهيئة القيادية للتحالف يوم الخميس 24 يوليو في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، التي تعتبر معقل قوات الدعم السريع في المنطقة. وقال الناطق الرسمي باسم التحالف علاء الدين عوض نقد إن القرارات جاءت “بعد مداولات مثمرة وحوارات اتسمت بالهدوء والموضوعية”.
تشكيل الحكومة الموازية ومكوناتها
يتكون المجلس الرئاسي من 15 عضوًا، من ضمنهم حكام الأقاليم، في إطار رؤية التحالف لإقامة نظام فيدرالي لامركزي. وتأسس “تحالف تأسيس” في العاصمة الكينية نيروبي يوم 22 فبراير 2025، ويضم قوات الدعم السريع، وحركات مسلحة وأحزاب سياسية وقوى مدنية.
تشمل مكونات التحالف الرئيسية الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، والجبهة الثورية، إضافة إلى أجنحة منشقة من حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي، فضلًا عن قوى مدنية وشخصيات مستقلة. من بين الأسماء البارزة في التحالف عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي، ووزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر.
رؤية التحالف السياسية والدستورية
كشف التحالف في مارس 2025 من نيروبي عن “دستور فوق دستوري” ينص على علمانية الدولة، وتقسيم السودان إلى 8 أقاليم، وإنشاء جيش وطني جديد، إلى جانب فترة تأسيسية مدتها 10 سنوات. وأكدت الهيئة القيادية للتحالف على “بناء وطن يسع الجميع وسودان جديد علماني ديمقراطي لا مركزي وموحد طوعيًا قائم على أسس الحرية والسلام والعدالة والمساواة”.
تشرف الهيئة القيادية على تكوين ثلاث لجان مؤقتة: لجنة العلاقات الخارجية، ولجنة الاتصال السياسي، ولجنة الشؤون الإنسانية، بهدف دعم الجهاز التنفيذي وعدم الدخول معه في منافسة.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
أعربت الأمم المتحدة عن قلق عميق إزاء خطر “تفكك” السودان غداة إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة منافسة. وقال الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: “إننا نشعر بقلق بالغ إزاء أي تصعيد إضافي للنزاع في السودان، بما في ذلك الإجراءات التي من شأنها أن تزيد من تفكيك البلاد وترسيخ الأزمة”.
وأضاف أن “الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه مبدأ أساسي للتحرك نحو حل دائم للأزمة وضمان الاستقرار الطويل الأمد للبلاد والمنطقة”. وشدد على أن “تشكيل حكومة موازية لن يقرب السودان من حل للنزاع، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حوار جامع ومعمّق”.
الخلفية التاريخية للصراع السوداني
يعود أصل النزاع الحالي إلى انقلاب أكتوبر 2021 الذي أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية، والذي قاده كل من عبد الفتاح البرهان وحميدتي بشكل مشترك. تصاعدت التوترات بين الطرفين على مدى أشهر قبل اندلاع القتال في 15 أبريل 2023، بسبب خلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش وتسلسل القيادة.
تمركz الخلاف حول خطة مدعومة دوليًا لإطلاق فترة انتقالية جديدة مع القوى المدنية، تتطلب من كل من الجيش وقوات الدعم السريع التنازل عن السلطة. كما تنافس الطرفان على مصالح تجارية مترامية الأطراف سعى كل طرف إلى حمايتها.
التكلفة الإنسانية المدمرة للحرب
تشهد السودان حاليًا أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث نزح أكثر من 12 مليون شخص داخليًا، بينما عبر حوالي 3.8 مليون لاجئ الحدود إلى الدول المجاورة. ويواجه نحو 25 مليون شخص – أي نصف السكان – جوعًا شديدًا، بينما يعاني ما يقرب من خمسة ملايين طفل وأُم من سوء التغذية الحاد.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد القتلى تجاوز 20 ألف شخص، بينما تقدر لجنة الإنقاذ الدولية العدد بـ150 ألف قتيل. وقد انتشرت المجاعة في 5 مناطق على الأقل داخل السودان، مع توقع أن تواجه 5 مناطق إضافية المجاعة.
الوضع العسكري على الأرض
تسيطر قوات الدعم السريع على معظم أجزاء إقليم دارفور غربي البلاد، بما في ذلك مدينة نيالا التي اختارها التحالف مقرًا لحكومته الموازية. وقد استعاد الجيش السوداني السيطرة على منطقة الخرطوم الكبرى، بما في ذلك العاصمة، في مايو 2025، بعد معركة طويلة.
في إقليم دارفور، شنت قوات الدعم السريع هجمات واسعة على مدينة الفاشر ومحيطها في شمال دارفور، وسيطرت على مخيم زمزم للنازحين. وقالت الأمم المتحدة إن الأرقام الأولية تشير إلى مقتل أكثر من 300 مدني في اشتباكات حول مخيمي زمزم وأبو شوك.
الاستعدادات لإطلاق الحكومة الموازية
كشفت مصادر في الإدارة المدنية التابعة لقوات الدعم السريع بولاية جنوب دارفور عن اكتمال الاستعدادات الإدارية واللوجستية لإعلان حكومة “تأسيس” من مدينة نيالا. شملت أعمال التأهيل أمانة الحكومة، وبيت الضيافة، ومنزل قائد الجيش، إضافة إلى المنازل الحكومية ومباني الوزارات والمستشفيات.
كما أعيد فتح سوق نيالا الكبير لإنعاش النشاط التجاري، وافتُتحت صرافة مالية جديدة، فيما تُجرى ترتيبات لتشغيل مطار نيالا رسميًا عقب إعلان الحكومة. وأكدت الجهات الإدارية التابعة للتحالف استمرار استخدام الجنيه السوداني كعملة رسمية، دون نية لاستبداله.
التحديات الدولية والإقليمية
تواجه المنطقة تحديات معقدة تتعلق بالتدخلات الخارجية في الصراع السوداني. يشير خبراء إلى أن استمرار الصراع قد يكون نتيجة لتدخلات إقليمية ودولية، مع غياب الدور الغربي وعدم التدخل لإنهاء الأزمة.
أخفقت جهود دبلوماسية متعددة في الوساطة من أجل وقف إطلاق النار، بما في ذلك محادثات جدة التي انطلقت في مايو 2023، واتفاق المنامة في يناير 2024، ومحادثات جنيف في أغسطس 2024. تتهم منظمات حقوق الإنسان طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب في مناخ يسوده الإفلات من العقاب.
موقف الحكومة الشرعية
في المقابل، يواصل مجلس السيادة الانتقالي بقيادة عبد الفتاح البرهان خطواته لتثبيت السلطة الشرعية. أصدر البرهان في مايو 2025 مرسومًا بتعيين كامل الطيب إدريس رئيسًا للوزراء، وتبع ذلك تعيين عضوين جديدين في مجلس السيادة.
يواصل رئيس الوزراء إدريس تشكيل ما أطلق عليها “حكومة الأمل” من 22 وزيرًا. وقد عيّن حتى الآن 10 وزراء، بما في ذلك وزراء الدفاع والداخلية والصحة والزراعة والتعليم العالي.
التداعيات المستقبلية
يحذر محللون من أن تشكيل حكومة موازية قد يؤدي إلى تقسيم السودان فعليًا، خاصة مع سيطرة كل طرف على مناطق جغرافية مختلفة. وقال المحلل السياسي السوداني عبد الخالق محجوب: “هذا التنازع يهدد وحدة البلاد، وإن مضي الطرفان في تنفيذ ما يخططان له فإن تقسيم البلاد سيكون أمرًا لا مفر منه”.
تحتاج الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون إلى 4.2 مليار دولار لتقديم مساعدات منقذة للحياة لنحو 21 مليون شخص معرض للخطر داخل السودان، لكن لم تتلق سوى 23% من هذا المبلغ حتى 21 يوليو 2025.










