تشهد مدينة الزاوية الليبية، الواقعة على بعد 48 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس، استعدادات مكثفة لمظاهرات حاشدة مخططة الخميس القادم ضمن موجة احتجاجات متصاعدة تهدف إلى إسقاط حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة.
تصاعد الغضب الشعبي ضد حكومة الدبيبة
تأتي هذه التحركات في إطار موجة احتجاجات واسعة شهدتها المدن الليبية منذ مايو 2025، حيث خرج المحتجون مطالبين برحيل حكومة الدبيبة بسبب الفساد المستشري وتدهور الأوضاع المعيشية والخدمية. وقد امتدت رقعة الاحتجاجات من العاصمة طرابلس إلى مدن أخرى مهمة مثل مصراتة والزاوية، مما يعكس حجم السخط الشعبي المتصاعد.
شهدت الأشهر الماضية سلسلة من الأحداث التي فاقمت من الأزمة الليبية، بما في ذلك المواجهات المسلحة التي اندلعت في طرابلس في مايو 2025 بين جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي واللواء 444 التابع لوزارة الدفاع. وقد أدت هذه المواجهات إلى مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز دعم الاستقرار، مما زاد من حدة التوتر والغضب الشعبي.
مطالب المحتجين الأساسية في الزاوية
يركز الحراك الشعبي على عدة مطالب رئيسية تشمل:
إسقاط الحكومة الحالية: يطالب المتظاهرون بإنهاء ولاية حكومة عبد الحميد الدبيبة التي يعتبرونها منتهية الصلاحية وغير قادرة على معالجة أزمات البلاد.
مكافحة الفساد: يشكو الليبيون من انتشار الفساد في مختلف قطاعات الحكومة، مما يعوق أي محاولة للإصلاح أو التنمية. ويؤكد معارضو الحكومة أن الفساد هو السبب الرئيسي وراء فشل الحكومة في حل الأزمات التي تواجه البلاد.
تحسين الأوضاع المعيشية: يعاني المواطنون من مشاكل يومية تشمل انقطاع الكهرباء، نقص السيولة المالية، وتدهور خدمات الصحة والتعليم، بالرغم من الثروة النفطية الكبيرة التي تمتلكها البلاد.
رفض شديد للتدخل الخارجي في ليبيا
يُعبر المحتجون عن رفضهم الشديد للتدخل الخارجي في الشأن الليبي، ويتهمون بعثة الأمم المتحدة بالتواطؤ في استمرار الأزمة السياسية. كما يرفضون بشدة الخطط الأمريكية والتركية بشأن توحيد الجيش الليبي، معتبرين إياها تدخلاً سافراً في شأن سيادي بحت.
وقد أثارت تصريحات السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، بشأن الدور الذي يمكن أن يلعبه المشير خليفة حفتر في توحيد الجيش الليبي، غضب العديد من القوى السياسية في غرب ليبيا. وأعرب قادة الميليشيات وأعضاء تنظيم الإخوان عن رفضهم لهذه التصريحات، واصفين الدور الأمريكي بالمشبوه وغير الحيادي.
الدعوة لتشكيل سلطة وطنية نزيهة
يطالب الحراك بتشكيل سلطة وطنية نزيهة بقرار ليبي خالص، بعيداً عن الإملاءات الخارجية. ويهدف هذا المطلب إلى إنهاء المرحلة الانتقالية الطويلة التي تشهدها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
اقترح أعضاء مجلس النواب عن المنطقة الغربية إطلاق مرحلة انتخابية عاجلة من خلال تشكيل “حكومة مصغرة، تتولى إدارة شؤون البلاد لفترة مؤقتة”، بمهمة جوهرية تتمثل في الإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية “حرة ونزيهة، وشفافة، ووفق معايير إقليمية ودولية”.
استقالات وزارية تعكس عمق أزمة الحكومة
شهدت الأشهر الماضية استقالة عدة وزراء من حكومة الدبيبة، مما يعكس عمق الأزمة التي تواجهها الحكومة. استقال وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد الحويج، ونائب الدبيبة وزير الصحة رمضان أبو جناح، إضافة إلى وزير المالية خالد المبروك، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة. كما قدم وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي استقالته قائلاً إنها تأتي “اصطفافاً وانحيازاً للشعب ودعماً لتوجهه”.
السياق السياسي المعقد في ليبيا
تأتي هذه التطورات في ظل انقسام سياسي حاد يشهده البلد منذ سنوات، حيث تتنافس حكومتان على السلطة: حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة في طرابلس، والحكومة المكلفة من مجلس النواب بقيادة أسامة حماد في بنغازي.
وقد فشلت جهود عديدة في إجراء انتخابات موحدة منذ 2021، مما أدى إلى استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. تطرح بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حالياً أربعة خيارات لحلحلة أزمة الانتخابات، تشمل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة أو إجراء البرلمانية أولاً ثم اعتماد دستور.
تحديات اقتصادية ومعيشية في ليبيا
تواجه ليبيا تحديات اقتصادية جسيمة رغم امتلاكها أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا. يعاني المواطنون من انقطاع متكرر للكهرباء والمياه، وطوابير انتظار طويلة أمام محطات توزيع الوقود، ونقص حاد في السيولة المالية. هذه الأوضاع المتردية تغذي الغضب الشعبي وتدفع المزيد من المواطنين للانضمام إلى الاحتجاجات.
مدينة الزاوية: موقع استراتيجي مهم
تحتل مدينة الزاوية موقعاً استراتيجياً مهماً كونها رابع أكبر مدينة في ليبيا من حيث عدد السكان والكثافة السكانية. تقع المدينة على الساحل الغربي لليبيا وتطل على البحر المتوسط، وتضم مصفاتي نفط مهمين للاقتصاد الليبي. وقد شهدت المدينة تاريخياً دوراً مقاوماً مهماً ضد الاحتلال الإيطالي، مما يعطي للاحتجاجات الحالية بعداً رمزياً إضافياً.
التطلعات المستقبلية للحراك الليبي
يأمل المتظاهرون أن تؤدي مظاهرات الخميس القادم في الزاوية وغيرها من المدن إلى إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي الليبي. ويدعو الحراك إلى تجمع كافة القوى الوطنية والمجتمعية من مختلف أنحاء البلاد، بهدف وضع خارطة طريق واقعية تقود ليبيا إلى بر الأمان.
تبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مسار الأحداث، خاصة مع استمرار الضغوط الشعبية والسياسية على حكومة الدبيبة، وفي ظل المساعي الدولية لإيجاد مخرج للأزمة الليبية المعقدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت هذه الاحتجاجات ستتمكن من إحداث التغيير المنشود أم ستزيد من تعقيد المشهد السياسي في بلد يعاني من عدم الاستقرار منذ أكثر من عقد.










