أصدر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو أمراً عسكرياً باعتراض أي سفينة تحمل فحماً وتتجه نحو إسرائيل، مؤكداً أن “ما دام الفحم موجوداً فلن يذهب منه طن واحد إلى إسرائيل”، وذلك في إطار موقف كولومبيا الرافض لما وصفه بـ”الإبادة الجماعية” في قطاع غزة.
إعلان القرار في قرطاجنة الكاريبية
جاء هذا الإعلان التاريخي خلال مراسم إحياء الذكرى السنوية الـ202 لمعركة بحرية واليوم الوطني للبحرية الكولومبية في مدينة قرطاجنة الساحلية على البحر الكاريبي يوم الجمعة 25 يوليو 2025. وقال بيترو في خطابه: “بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة لن أرسل أي طن من الفحم إلى إسرائيل، وأنا أتحمل المسؤولية”.
شهدت المراسم تدشين وحدات بحرية جديدة تابعة لـ”NavadaColombia”، بما في ذلك السفينة “بينكوس بيوهو” المخصصة لتعزيز نموذج الرعاية الصحية الوقائية والأولية في المناطق الساحلية والريفية.
منجم سيريخون: قلب الصراع الاقتصادي
يُعتبر منجم سيريخون التابع لشركة “غلينكور” السويسرية في إقليم لا غواخيرا بشمال شرق كولومبيا أحد أكبر مناجم تصدير الفحم المفتوحة في العالم، ويضم بنية تحتية ضخمة تشمل خط سكة حديد بطول 150 كيلومتراً وميناءً يطل على البحر الكاريبي. أنتج المنجم 19 مليون طن متري من الفحم في عام 2024.
وكان بيترو قد هدد يوم الأربعاء بتغيير عقد امتياز الشركة من جانب واحد إذا واصلت التصدير إلى إسرائيل، محذراً من أنه سيطلب من السكان المحليين فرض حصار على المنجم في حال رفضت الشركة الامتثال. ردت “غلينكور” بتأكيد التزامها بالقرار، مؤكدة أن “آخر شحنة فحم تم إرسالها إلى إسرائيل كانت قبل أسبوعين من دخول القرار حيز التنفيذ”.
الأهمية الاستراتيجية للفحم الكولومبي لإسرائيل
تُعد كولومبيا أكبر مورد للفحم الحراري لإسرائيل، حيث شكل فحمها أكثر من 60% من إمدادات إسرائيل في عام 2023. تُقدر صادرات الفحم الكولومبية إلى إسرائيل بنحو 450 مليون دولار سنوياً، وتُستخدم هذه المادة في توليد حوالي 20% من الطاقة الكهربائية في إسرائيل.
وبحسب التقارير، تشهد إسرائيل حالياً اعتماداً متزايداً على الفحم بعد إغلاق حقلي الغاز “كاريش” و”ليفياثان” جراء التوترات الأمنية، مما يجعل قرار كولومبيا أكثر تأثيراً على منظومة الطاقة الإسرائيلية. كما تضررت مصفاة حيفا النفطية التابعة لمجموعة “بازان” جراء صاروخ إيراني في يونيو 2025، مما أدى إلى إغلاقها التام.
السياق السياسي والدبلوماسي
يأتي هذا القرار في إطار تصعيد الموقف الكولومبي ضد إسرائيل، حيث قطع الرئيس بيترو العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في مايو 2024، متهماً حكومة بنيامين نتنياهو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة. كما أصدر في أغسطس 2024 مرسوماً يحظر تصدير الفحم إلى إسرائيل، معتبراً أن هذا المورد يُستخدم في صناعة القنابل التي تقتل أطفال غزة.
وعيّنت كولومبيا خورخي إيفان أوسبينا كأول سفير لها في الأراضي الفلسطينية، مؤكدة استعدادها لتقديم العلاج الطبي لآلاف الفلسطينيين المصابين خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.
الطلب العالمي على الفحم والتداعيات الاقتصادية
وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، بلغ الطلب العالمي على الفحم مستوى قياسياً في 2024 عند 8.77 مليار طن، ويُتوقع أن يصل حجم تجارة الفحم العالمي إلى مستوى غير مسبوق مقداره 1.55 مليار طن. تشكل آسيا قلب تجارة الفحم العالمية مع وجود أكبر الدول المستوردة فيها مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية.
في هذا السياق، يُعتبر قرار كولومبيا بمنع تصدير الفحم إلى إسرائيل خطوة ذات تأثير محدود على السوق العالمي، لكنها تحمل دلالات سياسية قوية في سياق التضامن مع الشعب الفلسطيني.
موانئ كولومبيا وشبكة النقل البحري
تلعب موانئ كولومبيا دوراً حيوياً في تصدير الفحم، حيث يُعتبر ميناء بوينافينتورا أكبر موانئ كولومبيا على ساحل المحيط الهادئ بطاقة 457,000 حاوية مكافئة، بينما ميناء برانكيلا على البحر الكاريبي يتعامل مع البضائع السائبة بما يشمل الفحم. كما يلعب ميناء قرطاجنة دوراً مهماً في الشحن البحري والسياحة.
تمتلك كولومبيا شبكة سكك حديدية تربط مناجم الفحم بالموانئ، مما يسهل عمليات التصدير، لكن القرار الرئاسي الجديد سيؤثر على هذه الشبكة فيما يتعلق بالشحنات المتجهة إلى إسرائيل.










