يربط باحثون بين قرار واشنطن الموافقة على صفقة السلاح للقاهرة بعلاقاتها المتنامية مع بكين، إذ يشيرون إلى أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين يشمل محاولة استقطاب دول محورية في العالم بحكم حجمها وموقعها الجغرافي، ومصر تعد واحدة من تلك الدول
على عكس الاختلافات التي طبعت أنباء العلاقات المصرية – الأميركية خلال الأشهر الأخيرة، وبخاصة بسبب ملف تهجير الفلسطينيين، جاءت موافقة الخارجية الأميركية على صفقة بيع منظومة دفاع جوي متقدمة للقاهرة، لتضفي تأكيداً على متانة علاقات البلدين، اللذين يوصفان بالحليفين طيلة الـ50 عاماً الماضية على رغم كل التقلبات في شراكة القاهرة وواشنطن.
الصفقة التي أعلنتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الأربعاء الماضي، تتضمن أنظمة صواريخ أرض – جو “ناسامز” المتقدمة، وما يتصل بها من معدات تدريب وأجهزة تحميل مفاتيح تشفير ووثائق فنية ومعدات صيانة وقطع غيار، إضافة إلى دعم فني وهندسي ولوجيستي تقدمه شركات أميركية.
كما شملت الصفقة أربعة رادارات من طراز AN/MPQ-64F1 Sentinel، وهي رادارات متطورة ثلاثية الأبعاد لرصد التهديدات الجوية بدقة عالية، و100 صاروخ AMRAAM-ER، و100 صاروخ AIM-120C-8 AMRAAM، وهي صواريخ جو – جو حديثة توجه بالرادار ضد الأهداف البعيدة.
وحسب بيان وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأميركية، تشمل الصفقة أيضاً 600 صاروخ من طراز AIM-9X Sidewinder Block II القصير المدى، ذي القدرات العالية على المناورة والتوجيه الحراري، و150 صاروخاً تدريبياً من نوع AIM-9X (CATM)، إضافة إلى قطع غيار تتضمن وحدات توجيه ومكونات إلكترونية، وأنظمة قيادة وتحكم متكاملة، من بينها مراكز توزيع النيران، وأنظمة الإطلاق العمودية، ومراكز القيادة التكتيكية، وأنظمة مراقبة وتشفير واتصالات عالية الأمان، وأجهزة GPS عسكرية متطورة من طراز DAGR قادرة على مقاومة التشويش والخداع، ومن المقرر أن يجري إرسال نحو 60 متخصصاً أميركياً إلى مصر، للدعم في تركيب المنظومات واختبارات التشغيل، وتدريب الأطقم المصرية.
ما هو نظام “ناسامز”؟
يعتبر نظام الصواريخ أرض – جو ناسامز حجر الأساس في صفقة الأسلحة الأميركية الجديدة إلى مصر، ويعد نتاج تعاون بين شركتي رايثيون الأميركية وكونغسبيرغ النرويجية لصناعة الدفاع والطيران، ووفق الموقع الرسمي للشركة النرويجية، فإنه أول نظام دفاع جوي أرضي مركزي قصير إلى متوسط المدى في العالم. وصمم نظام “ناسامز” لحماية القواعد الجوية والموانئ البحرية والمناطق المأهولة بالسكان والقوات البرية.
النظام الوطني المتقدم للصواريخ أرض – جو يتميز بنظامه المركزي والقدرة على الدخول في اشتباكات عدة متزامنة، وقدرات تتجاوز مدى الرؤية، وقد أدخلت تحديثات عدة على ذخيرة النظام الصاروخي آخرها صاروخ AMRAAM ER البعيد المدى، وصاروخ AIM-9X-2 للمدى الأقصر، اللذين تحصل عليهما مصر أيضاً وفق الصفقة.
وكانت النرويج أولى الدول استخداماً لنظام “ناسامز”، ومنذ عام 2005 تعتمد الولايات المتحدة عليه في تأمين عاصمتها طوال 24 ساعة، وحظي منذ ذلك الحين بثقة متزايدة بين جيوش العالم حتى أصبح عدد الدول التي تستخدمه الآن 15 دولة، من بينها دولتان عربيتان هما سلطنة عمان وقطر، ويستطيع النظام العمل في ظروف مختلفة تتفاوت من القطب الشمالي وحتى الأجواء شبه الاستوائية والصحراوية، بحسب موقع الشركة النرويجية المشاركة في تصنيعه.
الصفقة التي لم يُعلن عنها من الجانب المصري تبلغ قيمتها نحو 4.67 مليار دولار، وفيما لم يتم الإعلان عن آلية التمويل، إلا أن صفقات سابقة جرى تمويلها من خلال برنامج المساعدات العسكرية الأميركية، الذي تخصصه واشنطن لتزويد حلفائها بمنح مالية لشراء معدات عسكرية أميركية، والذي تحصل من خلاله مصر على مساعدات عسكرية سنوية تقدر بـ1.3 مليار دولار، ما يجعلها ثاني أكبر مستفيد من البرنامج بعد إسرائيل، وتسمح آلية التمويل بالتدفق النقدي لمصر بشراء أسلحة تفوق قيمة المعونات العسكرية السنوية، على أن تسدد من المساعدات العسكرية في الأعوام اللاحقة.
وبحسب مذكرة لمكتب المحاسبة التابع للحكومة الفيدرالية الأميركية صدرت عام 1994، قصرت واشنطن الحق في استخدام آلية التدفق النقدي على بلدين فقط هما مصر وإسرائيل، مستبعدة حلفاء آخرين مثل تركيا واليونان والبرتغال، واستخدمت القاهرة سابقاً آلية التدفق النقدي، لتمويل صفقاتها العسكرية، فعلى سبيل المثال عام 2012 اشترت 20 طائرة F16 بقيمة 3 مليارات دولار، بحسب مقال لديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
هل تحدث الصفقة تغييرات في التوازن العسكري؟
وزارة الدفاع الأميركية كشفت في بيان الإعلان عن الصفقة أن هدفها دعم “أهداف السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال تعزيز أمن حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي يُمثل قوة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في الشرق الأوسط”، وذلك من خلال تعزيز قدرة مصر على “رصد واعتراض التهديدات الجوية المتطورة، بما في ذلك الطائرات المسيّرة والصواريخ المجنحة والطائرات القتالية”.
لكن البنتاغون لم يغفل الإشارة إلى أن الصفقة “لن تُحدث تغييرات في التوازن العسكري الإقليمي”، في إشارة إلى إسرائيل التي تحصل على أكبر مساعدات عسكرية سنوية من جانب الولايات المتحدة.










