الوضع الراهن: حصار خانق وأزمة إنسانية متفاقمة
تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان، أزمة إنسانية كارثية حيث يواجه سكانها المجاعة والموت جوعاً تحت حصار مشدد تفرضه قوات الدعم السريع منذ مايو 2024. المدينة التي كانت تضم حوالي مليوني نسمة، تحولت إلى “مدينة أشباح وسط أنقاض الحرب” بعد فرار أكثر من مليون شخص منها هرباً من القتال والجوع.
مأساة الجوع: لجوء للأعلاف الحيوانية للبقاء
في مشهد مأساوي يعكس عمق الكارثة الإنسانية، لجأ آلاف السكان إلى طحن أعلاف الحيوانات المعروفة محلياً بـ”الأمباز” – وهي مخلفات بذور الفول السوداني والسمسم بعد عصر الزيت منها – لاستخدامها بديلاً عن الحبوب الأساسية. يقول أحد السكان: “لا نجد ما نأكله، وهو حال معظم سكان الفاشر. لجأنا إلى شراء الأعلاف الحيوانية لطحنها وطبخها على أنها عصيدة”.
انهيار الأسعار وانعدام السلع الأساسية
شهدت المدينة انهياراً كاملاً في منظومة التوريد والأسعار، حيث بلغ سعر جوال الدخن حوالي 4.5 مليار جنيه سوداني (ما يعادل 1500 دولار أمريكي)، وسعر ربع دقيق الدخن نحو 500 ألف جنيه سوداني. والي شمال دارفور الحافظ بخيت أكد أن “الوضع الإنساني أصبح لا يطاق” وأن المواطنين يأكلون فعلاً أعلاف الحيوانات “وقد نفدت من الأسواق”.
إحصائيات صادمة للمجاعة والنزوح
وفقاً لـمنظمة الهجرة الدولية، فإن 1.014.748 شخص جرى تهجيرهم من محلية الفاشر، بما يمثل أكثر من 10% من إجمالي النازحين داخلياً في السودان. كما نزح 99% من سكان مخيم زمزم الواقع على بُعد 12 كيلومتراً جنوب غرب الفاشر، بعدد أفراد بلغ 498.955 شخصاً.
تدهور القطاع الصحي والخدمات الأساسية
تعرضت المرافق الصحية في الفاشر لأضرار جسيمة، حيث دُمر سقف وحدة العناية المركزة في المستشفى الجنوبي – وهو المستشفى الوحيد العامل في الولاية – جراء غارة جوية. كما يعاني 38% من الأطفال دون سن الخامسة في مواقع النزوح بالمدينة من سوء التغذية الحاد.
وفيات موثقة بسبب الجوع
أفاد ناشطون ومجلس تنسيق غرف الطوارئ في شمال دارفور بوقوع وفيات جراء الجوع، مؤكدين أنهم “يشهدون وفيات بسبب الجوع وسوء التغذية”. المطابخ المجانية التي كانت تقدم وجبات لآلاف الأشخاص اضطرت للتوقف عن العمل بعد نفاد مخزونها تماماً.
السياق الأوسع: أكبر مجاعة في التاريخ الحديث
تأتي مأساة الفاشر ضمن إطار أزمة أوسع حيث يواجه 24.6 مليون شخص في السودان مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. الأمم المتحدة أعلنت عن تفشي المجاعة في خمس مناطق بالسودان، مع توقع توسعها لتشمل مناطق أخرى في شمال دارفور بما في ذلك الفاشر.
الاستجابة الدولية والعقبات
رغم الدعوات المتكررة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، تواجه المساعدات الإنسانية عقبات جسيمة في الوصول للمحاصرين. تم الهجوم على قافلة إنسانية مشتركة تابعة لـبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف قرب الكومة، مما أودى بحياة خمسة من أفرادها. كما تشهد عمليات الإغاثة تمويلاً متناقصاً حيث حصل مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية على 14.4% فقط من التمويل المطلوب.
نداء عاجل للعمل
تمثل مأساة الفاشر جرس إنذار للمجتمع الدولي، حيث تتحول مدينة كاملة إلى معسكر اعتقال مفتوح يواجه سكانه الموت جوعاً. الحاجة ماسة لتدخل دولي عاجل لفك الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية، وإلا فإن العالم قد يشهد كارثة إنسانية تاريخية في قلب أفريقيا. كما حذر خبراء أمميون، “لم يسبق في التاريخ الحديث أن واجه هذا العدد الكبير من الناس المجاعة كما هو الحال في السودان اليوم”.










