ودع الوسط الفني المصري صباح الأربعاء 30 يويو 2025، الفنان الكبير لطفي لبيب عن عمر ناهز 78 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض انتهى بدخوله العناية المركزة إثر تدهور حالته الصحية.
أكد نقيب المهن التمثيلية أشرف زكي خبر الوفاة عبر حسابه على إنستغرام بكلمات مؤثرة: “وداعاً صاحب البهجة”، فيما أكد الأب بطرس دانيال للإعلام المصري رحيل الفنان الذي عُرف بطيبة قلبه وأدائه المتميز.
من حقول بني سويف إلى المعهد العالي للفنون المسرحية
وُلد لطفي لبيب في 18 أغسطس 1947 في مركز ببا بمحافظة بني سويف، وحصل على ليسانس الآداب من كلية الآداب جامعة الإسكندرية قسم الفلسفة، قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج منه عام 1970.
لكن مشواره الفني تأخر عقداً كاملاً بسبب أدائه الخدمة العسكرية التي استمرت 6 سنوات، تلاها سفره خارج البلاد لمدة 4 سنوات، مما أخر بداية مسيرته الفنية الحقيقية حتى عام 1981.
فنان الكتيبة 26: شاهد على النصر
ما يميز لطفي لبيب عن غيره من الفنانين أنه شارك كمقاتل في حرب أكتوبر 1973 ضمن صفوف الكتيبة 26 مشاة، وهي أول كتيبة عبرت قناة السويس يوم 6 أكتوبر واقتحمت حصون العدو.
وثق لبيب تجربته الحربية في كتاب حمل عنوان “الكتيبة 26” كتبه عام 1975، أي بعد انتهاء الحرب بعامين، يروي فيه تفاصيل تجربته الشخصية كمجند من سبتمبر 1973 حتى فبراير 1974.
سيناريو لم يرَ النور
في لقاء تلفزيوني مؤثر، كشف لطفي لبيب أنه كتب سيناريو سينمائي بعنوان “الكتيبة 26” فور انتهاء الحرب عام 1975، لكن السيناريو ظل حبيس الأدراج لأكثر من 50 عاماً دون أن يجد منتجاً يتحمس للمشروع نظراً لضخامة إنتاجه.
قال لبيب في اللقاء: “السيناريو اعتمد على إبراز حقيقة عبور الجنود المصريين القناة وتحقيق المعجزات، حتى تفاصيل مفاوضات السلام، وما حدث لنا داخل الحصار من تفاصيل مُضحكة ومبكية”.
أضاف: “الأفلام كلها التي اتعملت يا إما ذكرى عن حرب أكتوبر يا إما حرب أكتوبر كلها ملخصها يجي في الراديو خبر، أنا عامل فيلم من أول لحظة لآخر لحظة عن حرب أكتوبر ما حدش فكر فيه 50 سنة”.
ذكريات لا تُمحى من ساحة المعركة
في لقاءاته الإعلامية، كان لطفي لبيب يبكي عند تذكر زملائه الذين استشهدوا في الحرب، خاصة “سيد عبد الرازق” الذي تلقى طلقة رشاش في صدره وكانت آخر كلماته: “حد ياخد مكاني يا جماعة”.
تذكر أيضاً الضابط سيد البرعي قائد السرية وقائد الكتيبة عبد الوهاب الحديدي، اللذين حصلا على نجمة سيناء من بين 27 شخصاً فقط حصلوا عليها في الجيش المصري.
وصف لبيب لحظة العبور قائلاً: “كنت في حالة اندهاش لحظة العبور والإحساس بالنصر، ولما عبرنا جاءت بعدها معلومات عن تقدمنا وحصلنا على أراضي، وفجرنا نقاط قوية كان موجود فيها العدو”.
مسيرة فنية تجاوزت 400 عمل
رغم البداية المتأخرة، قدم لطفي لبيب أكثر من 100 فيلم سينمائي و30 عملاً دراميً، تاركاً بصمة مميزة في كل دور. اشتهر بأداء الأدوار الثانية والمساندة التي كانت تُضيف عمقاً ونكهة خاصة للأعمال.
من أبرز أفلامه: “السفارة في العمارة” مع عادل إمام، حيث جسد شخصية السفير الإسرائيلي، و”عسل أسود” مع أحمد حلمي، و”مرجان أحمد مرجان” و”النوم في العسل” و”طباخ الرئيس”.
في الدراما التلفزيونية، شارك في مسلسلات مهمة مثل “رأفت الهجان” و”زيزينيا” و”الملك فاروق” و”تامر وشوقية” و”الخواجة عبد القادر”.
رفض التكريم الإسرائيلي إيماناً بالقضية
في موقف يعكس أصالته ومبادئه، رفض لطفي لبيب دعوة للتكريم من السفارة الإسرائيلية في القاهرة بعد نجاحه في تجسيد شخصية السفير الإسرائيلي في “السفارة في العمارة”.
برر رفضه قائلاً: “أنا حاربت عشان الأرض دي… سيناء دي غالية عليا بشكل لا يوصف”، مؤكداً إيمانه بالقضية الفلسطينية وحزنه الشديد لما يحدث للفلسطينيين والقدس في ظل الانتهاكات الإسرائيلية.
السنوات الأخيرة والصراع مع المرض
في السنوات الأخيرة، أصيب لطفي لبيب بجلطة دماغية أثرت على النصف الأيسر من جسده، مما قلل من قدرته على الحركة وأثر على ظهوره الفني. آخر أعماله كان فيلم “أنا وابن خالتي” مع سيد رجب وبيومي فؤاد.
كان الأب بطرس دانيال من أكثر الداعمين له في أيامه الأخيرة، حيث ظهرت صور لهما معاً تُظهر لطفي لبيب في منزله محاطاً بالحب والدعم.
كلمات الوداع الأخيرة
آخر كلمات نُقلت عن الفنان الراحل كانت مطمئنة: “متقلقوش عليا وراض بكل شيء”، كما لو كان يودع الجميع بسلام وقبول لقضاء الله.
إرث لا يُمحى
ترك لطفي لبيب إرثاً مزدوجاً: إرثاً فنياً يتضمن مئات الأدوار التي أثرت السينما والدراما المصرية، وإرثاً وطنياً كشاهد على النصر في أعظم معارك الأمة العربية الحديثة.
سيناريو “الكتيبة 26” يبقى شاهداً على تضحيات جيل كامل من الشباب المصري الذي ضحى بأعز ما يملك من أجل الوطن. وإن لم يُنتج السيناريو سينمائياً، فإن حياة لطفي لبيب نفسها كانت أعظم فيلم عن البطولة والإنسانية.
رحم الله فنان الكتيبة 26 الذي جمع بين نار المعركة ونور الفن، وترك للأجيال القادمة مثالاً حياً على أن الفن الحقيقي ينبع من تجارب صادقة وقلب يخفق حباً للوطن.










