أثار تسريب صور شخصية للمحامية والناشطة الحقوقية العراقية زينب جواد موجة واسعة من الغضب الشعبي والجدل السياسي في العراق، بعد انتشار الصور على مواقع التواصل الاجتماعي يوم 29 يوليو 2025، وذلك عقب مرور شهر واحد على اعتقالها من قبل جهاز أمن «الحشد الشعبي» ومصادرة أجهزتها الإلكترونية.
الصور، التي وصفت بأنها «عائلية وخاصة»، جاءت في سياق ما اعتبره مراقبون ونشطاء حملة منظمة لتشويه سمعة جواد، التي تعد من أبرز الأصوات النسوية والحقوقية المناهضة للنفوذ الإيراني والتعديلات الأخيرة المثيرة للجدل على قانون الأحوال الشخصية.
من هي زينب جواد؟
زينب جواد محامية وناشطة مدنية بارزة، اشتهرت بمشاركتها في حراك تشرين الاحتجاجي عام 2019، وتعرف بمواقفها الرافضة لتدخلات الفصائل المسلحة في السياسة العراقية، إلى جانب دفاعها الصريح عن حقوق المرأة وحرية التعبير.
وكانت من أبرز الأصوات المعارضة لتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي أقره البرلمان في يناير 2025، حيث اعتبرته “نكسة خطيرة لحقوق النساء والأطفال وتكريسا للطائفية القانونية”.

تفاصيل الاعتقال: من دون مذكرة أو دعوى
في 29 يونيو 2025، أوقفت قوات أمن الحشد زينب عند حاجز في منطقة الشعب أثناء عودتها من زيارة إلى إقليم كردستان، واعتقلتها من دون مذكرة قضائية، وصادرت ثلاثة هواتف نقالة، وجهاز تابلت، ولابتوب يحتوي على وثائق جامعية ومهنية
ووفق شهادات مقربين منها، تعرضت زينب خلال ست ساعات من التحقيق لضغوط سياسية وتهديدات، كما طرح عليها الانضمام إلى قوائم انتخابية موالية للفصائل المسلحة، وهو ما رفضته تماما.
فضيحة التسريب: استهداف الخصوصية
تم تسريب صور شخصية من هاتفها المحمول في نهاية يوليو، بعد شهر من اعتقالها، وتضمنت لقطات عائلية عادية داخل المنزل، لا تحتوي على أي محتوى “فاضح” كما زعمت بعض الأطراف، وهو ما دفع ناشطين للحديث عن “فضيحة تشهير مدبرة بهدف إذلالها ومعاقبتها على مواقفها السياسية”.
أوساط محافظة اعتبرت الصور “مخلة بالذوق”، رغم أنها لا تتضمن خرقا قانونيا، بينما رأى حقوقيون أن ما جرى هو انتهاك فج للخصوصية وجريمة ترتكب بأدوات أمن الدولة.
ردود فعل غاضبة وموجة تضامن
النائب المستقل سجاد سالم وصف الحادثة بأنها “سقطة أخلاقية كبرى”، وكتب:”لم يتبق من المشترك بين هذه الأجهزة وبين الشعب العراقي أي شيء: لا أخلاق، لا قانون، لا عرف”.
أما القاضي السابق رحيم العكيلي، فشدد على أن نسخ محتويات الهواتف الخاصة بدون إذن قضائي “جريمة دستورية يعاقب عليها القانون”.
في المقابل، التزمت نقابة المحامين العراقية الصمت، ما أثار استياء واسعا في الأوساط القانونية، حيث لم تصدر أي بيان دفاع عن عضو يتعرض لانتهاك خصوصيته أمام الرأي العام.
مخاوف أمنية وتهديدات مستمرة
بعد التسريب، تلقت زينب تهديدات مباشرة بالقتل والتصفية، شبيهة بالتهديدات التي سبقت اغتيال الناشطة “أم فهد”. وتعرضت كذلك لحملات تشويه على مواقع التواصل، وإجراءات إدارية فصلتها من أعمالها الأكاديمية مؤقتا، وسط صمت حكومي ورسمي واضح.
خلفية سياسية عميقة
زينب جواد كانت من أبرز المعارضين لتعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يتهم بأنه يسمح بزواج القاصرات، ويوسع صلاحيات رجال الدين على حساب القضاء، ويشرعن التمييز الطائفي في قضايا الطلاق والحضانة، ويعرض العراق لمخالفة التزاماته الحقوقية الدولية
وتوقعت زينب أن يؤدي هذا القانون إلى ارتفاع في حالات الطلاق والعنف الأسري، وإضعاف موقع النساء في المجتمع.
صراع على الدولة والحرية
ما تعرضت له زينب جواد ليس مجرد تسريب صور، بل يمثل في نظر كثيرين محاولة منهجية لترهيب الأصوات الحرة في العراق. القضية تعكس صراعا أوسع بين مشاريع “الدولة المدنية” التي تنادي بها النخب، وبين أدوات الهيمنة الأمنية والسياسية التي ترفض التعددية والانفتاح.
ويبقى السؤال: هل سيواجه القضاء العراقي هذه الفضيحة بمحاسبة عادلة؟ أم ستطوى مثل سابقاتها في أرشيف الإفلات من العقاب؟










