أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء 30 يوليو 2025، فرض أكبر حزمة عقوبات على إيران منذ عام 2018، تستهدف أكثر من 115 فرداً وكياناً وسفينة مرتبطة بشبكة شحن واسعة تُدر مليارات الدولارات لصالح النظام الإيراني.
محمد حسين شمخاني: محور العقوبات الجديدة
تركز العقوبات بشكل أساسي على محمد حسين شمخاني، نجل علي شمخاني المستشار المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي، والذي يُعتبر من أبرز المسؤولين عن الملف النووي الإيراني.
وصفت وزارة الخزانة الأمريكية شمخاني الابن بأنه يدير “إمبراطورية شحن فاسدة” تستغل النفوذ السياسي لوالده لبناء وتشغيل أسطول ضخم من الناقلات وسفن الحاويات.
تشير التقديرات الأمريكية إلى أن شبكة شمخاني تحقق عشرات المليارات من الدولارات سنوياً من خلال تهريب النفط الإيراني والروسي إلى أسواق عالمية، مع تركيز خاص على الصين كأكبر مشتر للنفط الإيراني.
نطاق العقوبات والشبكة المستهدفة
التفصيل الرقمي للعقوبات:
15 شركة شحن: متخصصة في نقل النفط ومنتجاته
52 سفينة: من ناقلات النفط وسفن الحاويات
12 فرداً: من المديرين والوسطاء
53 كياناً: شركات واهية ومؤسسات تمويه
17 دولة: من بنما وإيطاليا إلى هونغ كونغ
تتهم وزارة الخزانة الأمريكية الشبكة بـ“غسل المليارات من الدولارات” عبر شحنات النفط والبضائع من إيران وروسيا، مع استخدام جوازات سفر أجنبية وشركات وهمية لإخفاء الأنشطة العالمية وتجاوز العقوبات.
علي شمخاني: الأب المؤثر والمستشار النووي
علي شمخاني (مواليد 1955) يُعتبر من أبرز الشخصيات في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإيرانية، وقد شغل منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي لعشر سنوات (2013-2023) قبل تعيينه مستشاراً سياسياً للمرشد الأعلى. يُنظر إليه كـ“عراب الملف النووي” الإيراني نظراً لدوره المحوري في إدارة هذا الملف الحساس.
كان شمخاني الأب من المؤسسين الأوائل للحرس الثوري الإيراني وشغل مناصب عسكرية رفيعة، بما في ذلك قائد البحرية في كل من الحرس الثوري والجيش النظامي، ووزير الدفاع في الفترة 1997-2005. استهدفته الولايات المتحدة بعقوبات منذ عام 2020، مما يعكس أهميته الاستراتيجية في النظام الإيراني.
السياق الاستراتيجي: تكثيف الضغط الأقصى
تأتي هذه العقوبات في إطار تكثيف حملة “الضغط الأقصى” التي أعادت إدارة ترامب إطلاقها منذ عودتها للسلطة في يناير 2025. وقع الرئيس ترامب في فبراير 2025 مذكرة أمن قومي تُوجه بفرض أقصى ضغط اقتصادي وسياسي على النظام الإيراني.
التصعيد المتدرج:
فبراير 2025: إعادة إطلاق سياسة الضغط الأقصى رسمياً
يونيو 2025: قصف أمريكي-إسرائيلي للمنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان
يوليو 2025: فرض أكبر حزمة عقوبات منذ 2018
تأثير العقوبات على صادرات النفط الإيرانية
أشار مسؤول أمريكي إلى أن صادرات إيران النفطية انخفضت بالفعل من 1.8 مليون برميل يومياً في بداية العام إلى حوالي 1.2 مليون برميل يومياً حالياً، نتيجة للعقوبات المتدرجة. والهدف النهائي هو “تقليل صادرات إيران النفطية إلى الصفر” كما حدث خلال ولاية ترامب الأولى عندما انخفضت الصادرات إلى بضع مئات الآلاف من البراميل يومياً.
رغم ذلك، أكد المسؤولون الأمريكيون أن العقوبات الجديدة لن تسبب اضطراباً في أسواق النفط العالمية إذ صُممت خصيصاً لاستهداف شبكات محددة دون التأثير على الإمدادات العالمية.
البُعد الأوروبي والتنسيق الدولي
فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على محمد حسين شمخاني في وقت سابق من يوليو 2025، وعزا ذلك إلى دوره في تجارة النفط الروسية. هذا التنسيق يعكس تقارباً في المواقف الغربية حول ضرورة تشديد الخناق على الشبكات التي تساعد كلاً من إيران وروسيا في تجاوز العقوبات الدولية.
الاستجابة الإيرانية وتحدي “اللعبة لم تنته”
في مواجهة هذا التصعيد، أكد علي شمخاني أن “اللعبة لم تنته” حتى لو أدت الضربات الأمريكية والإسرائيلية إلى تدمير المواقع النووية الإيرانية. وأضاف أن “المواد المخصبة والمعارف الأصلية والإرادة السياسية ستبقى على حالها، وستستمر المفاجآت”.
هذا التحدي الإيراني يعكس استراتيجية المقاومة التي تتبناها طهران في مواجهة الضغوط الأمريكية، حيث تُظهر قدرتها على إعادة البناء والتكيف مع العقوبات المتزايدة.
التداعيات على الاقتصاد الإيراني
تُشكل هذه العقوبات ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل موازنة الدولة ودعم الحلفاء الإقليميين. تقدر وزارة الخزانة الأمريكية أن جزءاً كبيراً من عشرات المليارات التي تحققها شبكة شمخاني “يُستخدم لدعم النظام الإيراني” وأنشطته الإقليمية.
استهداف “أسطول الظل” الإيراني
تركز العقوبات الأمريكية على ما يُعرف بـ“أسطول الظل” الإيراني، وهو مجموعة من السفن التي تعمل خارج النظام المصرفي التقليدي لتهريب النفط الإيراني. هذا الأسطول يستخدم تقنيات متطورة للتحايل على العقوبات، منها:
تغيير أعلام السفن والهويات بانتظام
استخدام مسارات معقدة للتجارة عبر دول وسيطة
التحايل على أنظمة التتبع البحرية الدولية
استخدام شركات وهمية في دول متعددة لإخفاء الملكية الحقيقية
التأثير على روسيا
أشار مسؤول أمريكي إلى أن العقوبات الجديدة ستؤثر على كل من روسيا وإيران، نظراً لأن شبكة شمخاني تنقل أيضاً النفط الروسي إجانب المشترين العالميين. بعض سفن الشبكة كانت “متورطة في نقل صواريخ وقطع طائرات مسيرة إلى روسيا مقابل النفط الروسي”.
مستقبل المفاوضات النووية
تُلقي هذه العقوبات بظلالها على مستقبل المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. رغم أن مسؤولاً في البيت الأبيض أشار إلى استعداد واشنطن لـ“إجراء محادثات مباشرة مع إيران”، إلا أن دبلوماسيين أوروبيين وإيرانيين أشاروا إلى أن احتمالية عودة إيران للمفاوضات مع الولايات المتحدة ضئيلة حالياً.










