عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، قمة ثلاثية في إسطنبول أمس الجمعة، ركزت على تعزيز التعاون المشترك ومواجهة التحديات الإقليمية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
أولويات القمة: الهجرة والأمن الإقليمي
أكد الرئيس أردوغان خلال القمة التي عُقدت في مكتب قصر دولمابهجة الرئاسي، أهمية التعاون الثلاثي بين تركيا وإيطاليا وليبيا لمواجهة التحديات التي تواجه منطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصة ملف الهجرة غير النظامية. وأشار إلى الحاجة الماسة إلى حلول مستدامة وطويلة الأمد لتجفيف مصادر الهجرة غير النظامية، مؤكداً ضرورة التنسيق متعدد الأطراف في هذا الصدد.
وتأتي هذه القمة في ظل تزايد الضغوط المتعلقة بالهجرة، حيث تُعتبر ليبيا نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، مع وصول حوالي 21 ألف مهاجر إلى إيطاليا هذا العام، بزيادة قدرها 80% مقارنة بالعام الماضي.
التعاون في مجال الطاقة والاستثمار
استعرض الدبيبة خلال القمة آفاق التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، حيث تم التأكيد على أهمية تعزيز الشراكة في مجالات الطاقة والنفط والغاز، والبنية التحتية، وربط ليبيا بمشاريع إقليمية في المتوسط. وأشار إلى الاستثمار في الموانئ وتطوير الشبكات الكهربائية ودعم المشاريع الاستراتيجية المشتركة في إطار تكامل تنموي يخدم مصالح الشعوب.
وفي هذا السياق، وقعت ليبيا وتركيا في يونيو 2025 اتفاقية طاقة كبرى لإجراء مسوحات جيولوجية وجيوفيزيائية مشتركة عبر أربع مناطق بحرية، تتضمن حملة زلزالية بطول 10 آلاف كيلومتر. هذه الاتفاقية تهدف إلى استغلال الإمكانات الطاقوية الليبية غير المستغلة، والتي تُعتبر من بين الأكبر في أفريقيا.
الأزمة الفلسطينية محور مناقشات مهم
لم تقتصر مناقشات القمة على القضايا الإقليمية، بل تطرقت أيضاً إلى الأزمة الفلسطينية. فقد لفت الرئيس أردوغان إلى العدوان الإسرائيلي في غزة والمأساة الإنسانية هناك، مؤكداً أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية بأسرع وقت.
وشدد أردوغان على أن الحل الدائم لا يمكن تحقيقه إلا عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وتكامل جغرافي على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وأعرب عن ترحيب تركيا بالخطوات المتزايدة نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الدول الأوروبية.
الوضع الأمني في ليبيا والاستقرار السياسي
تطرق الدبيبة في كلمته إلى العملية الأمنية الواسعة التي أطلقتها الحكومة مؤخراً في العاصمة طرابلس وعدد من المناطق الأخرى، مشيراً إلى أن الحملة تهدف إلى إنهاء نفوذ المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون التي تورطت في ابتزاز مؤسسات الدولة والتدخل في شؤونها السيادية.
وأكد أن هذه العملية تعكس خياراً سياسياً وأمنياً واضحاً لاستعادة هيبة الدولة وبناء مؤسسات تعمل في إطار القانون دون وصاية أو تهديد. واعتبر أن تفكيك هذه البُنى الموازية يُعد خطوة حاسمة نحو إنهاء نفوذ العصابات وتمكين الدولة من بسط سلطتها على مؤسساتها ومرافقها.
التعاون الدفاعي التركي-الإيطالي
تأتي هذه القمة في إطار تعميق الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وإيطاليا، خاصة في المجال الدفاعي. ففي مارس 2025، أعلنت شركة ليوناردو الإيطالية وشركة بايكار التركية عن إقامة مشروع مشترك لإنتاج الأنظمة الجوية غير المأهولة. كما وقعت البلدان على 11 مذكرة تفاهم تغطي مجالات واسعة من التجارة والاستثمارات الصناعية والتعاون الدفاعي والعلوم والتكنولوجيا.
وحددت تركيا وإيطاليا هدفاً جديداً لحجم التبادل التجاري السنوي بقيمة 40 مليار دولار، مقارنة بـ 32 مليار دولار في العام الماضي. هذا التعاون يأتي في سياق تعزيز الأمن الأوروبي والمتوسطي، خاصة في ظل التحديات الأمنية الحالية.
خطط المتابعة والتقييم
اتفق القادة الثلاثة خلال القمة على عقد اجتماع لاحق لتقييم القرارات المتخذة بعد انعقاد لجان التعاون بين البلدان الثلاثة. كما اقترح الدبيبة عقد اجتماع وزاري رباعي يضم ليبيا وتركيا وإيطاليا وقطر، بهدف تنفيذ مشاريع مشتركة وتوحيد الجهود في الملفات ذات الأولوية.
وأشار الدبيبة إلى أن دولة قطر أبدت استعدادها للمشاركة في مجالات الدعم اللوجستي والإنساني والتقني، مما يعكس الرغبة في توسيع نطاق التعاون الإقليمي ليشمل دولاً أخرى فاعلة في المنطقة.
التحديات والآفاق المستقبلية
تواجه المنطقة المتوسطية تحديات متعددة، من بينها تدفقات الهجرة غير النظامية التي شهدت انخفاضاً بنسبة 20% في النصف الأول من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. إلا أن الطريق المتوسطي الأوسط، الذي يشمل الرحلات من ليبيا إلى إيطاليا، شهد زيادة بنسبة 12%.
وتستمر ليبيا في مواجهة تحديات سياسية واقتصادية، حيث تبقى البلاد مقسمة بين حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً في طرابلس، والحكومة الشرقية في بنغازي. وتعمل الأمم المتحدة على تسهيل الحوار بين الأطراف الليبية من أجل إجراء انتخابات تؤدي إلى توحيد البلاد










