أرسل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة إلى الرئيس الإريتري إسياس أفورقي، في 30 يوليو/تموز من هذا الأسبوع، مؤكدًا سعيه «لتصحيح الأضرار السلبية والضارة التي خلفتها إدارة بايدن حول العالم»، وأعرب عن استعداد إدارته لإعادة بناء علاقة «قائمة على الصدق والاحترام» بين الولايات المتحدة وإريتريا.
وفي رسالته، التي أعرب فيها أيضًا عن تقديره لرسالة التهنئة التي بعثها الرئيس إسياس في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أشار الرئيس ترامب إلى استعداد إدارته «لتوفير فرص لتعزيز السلام والازدهار في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر».
خلفية العلاقات الأمريكية الإريترية المتقلبة
شهدت العلاقات بين واشنطن وأسمرة تقلبات حادة عبر العقود الماضية، حيث مرت بمراحل من التعاون والصراع تأثرت بشدة بالديناميكيات الإقليمية في القرن الأفريقي. ففي التسعينات، تمتعت البلدان بعلاقات ودية، حيث دعمت الولايات المتحدة استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، واعتبرتها شريكًا استراتيجيًا في مكافحة الإرهاب بفضل موقعها على البحر الأحمر.
لكن العلاقات تدهورت بشكل حاد بعد الحرب الحدودية الإريترية الإثيوبية عام 1998، عندما اتهمت إريتريا الولايات المتحدة بالانحياز لصالح إثيوبيا. وازداد التوتر عندما اتبع الرئيس أفورقي سياسة معادية لأمريكا، مما أدى إلى فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على إريتريا عام 2009.
عقوبات بايدن والعزلة الدولية
فرضت إدارة الرئيس جو بايدن عقوبات جديدة على إريتريا في نوفمبر 2021، استهدفت الجيش الإريتري والحزب الحاكم «الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة»، بالإضافة إلى مسؤولين رفيعي المستوى. جاءت هذه العقوبات كرد فعل على اتهامات بتورط القوات الإريترية في الصراع الدائر في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا منذ عام 2020.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إن القوات الإريترية «شاركت في أعمال نهب واعتداءات جنسية وقتل مدنيين وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية» في شمال إثيوبيا. هذه العقوبات أعادت إريتريا إلى دائرة العزلة الدولية بعد فترة قصيرة من الانفتاح التي تلت اتفاق السلام مع إثيوبيا عام 2018.
الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر
تكتسب رسالة ترامب أهمية خاصة في ضوء الموقع الاستراتيجي لإريتريا على البحر الأحمر، والذي يُعد أحد أهم الممرات المائية في العالم للتجارة العالمية. يمر عبر البحر الأحمر حوالي 12% من التجارة البحرية العالمية و30% من حركة حاويات الشحن، مما يجعل استقرار المنطقة ذا تأثير بالغ على الاقتصاد العالمي.
وقد برزت أهمية هذا الممر المائي بشكل أكبر مع تصاعد هجمات الحوثيين اليمنيين على السفن التجارية في أعقاب الحرب في غزة، مما دفع القوى الدولية لإعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية في المنطقة. في هذا السياق، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز شراكاتها مع الدول المطلة على البحر الأحمر لضمان أمن الملاحة البحرية.
التحالفات الإقليمية والتنافس الدولي
تشهد منطقة القرن الأفريقي تنافسًا دوليًا محتدمًا، حيث تسعى قوى عديدة لتوسيع نفوذها، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول الخليج العربي. ويُذكر أن إريتريا كانت الدولة الأفريقية الوحيدة التي صوتت ضد قرار الأمم المتحدة الذي يطالب روسيا بسحب قواتها من أوكرانيا، في موقف يعكس توجهها المعادي للولايات المتحدة.
كما تلعب منطقة البحر الأحمر دورًا محوريًا في استراتيجيات الأمن الإقليمي، حيث أسست الدول المطلة عليه «مجلس الدول العربية الإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن» عام 2020، والذي يضم في عضويته مصر والسعودية والأردن واليمن والصومال والسودان وجيبوتي وإريتريا.
التطلعات الإثيوبية والتوازنات الإقليمية
تزداد أهمية العلاقات الأمريكية الإريترية في ضوء الدعم الأمريكي المتزايد لتطلعات إثيوبيا للحصول على منفذ بحري، حيث أعرب السفير الأمريكي عن دعم واشنطن لحق إثيوبيا في الوصول إلى البحر. هذا الموقف يخلق ديناميكيات معقدة في المنطقة، خاصة مع الجدل حول مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال والتي واجهت معارضة إقليمية واسعة.
رد الفعل الإريتري والآفاق المستقبلية
يُظهر تبادل الرسائل بين ترامب وأفورقي بوادر انفتاح محتمل في العلاقات الثنائية. وكان الرئيس الإريتري قد بعث برسالة تهنئة حارة إلى ترامب في نوفمبر الماضي بمناسبة «عودته التاريخية وانتخابه الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة»، معربًا عن أمله في فتح «فصل جديد من علاقات التعاون المثمرة والبناءة».
ويرى محللون أن الرئيس أفورقي قد لا يمانع تحسين علاقات نظامه بالإدارة الأمريكية، طالما سيُتاح له أداء أدوار محورية في قضايا القرن الأفريقي. هذا التوجه يأتي في وقت تحتاج فيه إريتريا لكسر عزلتها الدولية والاستفادة من رفع العقوبات لتحقيق التنمية الاقتصادية.










