أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يوم الجمعة 1 أغسطس 2025 استقالة العضو في مجلس حكامه أدريانا كوغلر من منصبها، اعتباراً من 8 أغسطس، مما يخلق شاغراً مهماً يمكن للرئيس دونالد ترامب ملؤه في خضم حملته المكثفة لإجبار البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة بشكل كبير.
تفاصيل الاستقالة المفاجئة
أدريانا كوغلر، التي عيّنها الرئيس السابق جو بايدن في سبتمبر 2023، قدمت استقالتها قبل ستة أشهر من انتهاء ولايتها المقررة في 31 يناير 2026. لم تكشف كوغلر في رسالة استقالتها التي وجهتها لترامب عن الأسباب الحقيقية وراء قرارها، مكتفية بالقول إنها ستعود للتدريس في جامعة جورج تاون في فصل الخريف.
قالت كوغلر في بيان استقالتها: «لقد كان شرفاً عظيماً لي أن أخدم في مجلس حكام الاحتياطي الفيدرالي، ويشرفني بشكل خاص أن أخدم في وقت حرج لتحقيق مهمتنا المزدوجة المتمثلة في خفض الأسعار والحفاظ على سوق عمل قوي ومرن».
غياب مثير للشكوك
الملفت أن كوغلر غابت عن اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية هذا الأسبوع بسبب ما وصفه الاحتياطي الفيدرالي بـ«مسألة شخصية»، وهو أمر غير اعتيادي لعضو في مجلس الحكام. هذا الغياب تزامن مع اجتماع تاريخي شهد أول انقسام مزدوج منذ أكثر من 30 عاماً، حيث صوت عضوان من مجلس الحكام ضد قرار تثبيت أسعار الفائدة ودعوا لخفضها.
ضغوط ترامب المتصاعدة على الفيدرالي
تأتي استقالة كوغلر في ذروة الحرب المفتوحة بين ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. ففي نفس يوم الاستقالة، شن ترامب هجوماً حاداً على باول عبر منصة Truth Social، واصفاً إياه بـ«الأحمق العنيد» ومطالباً إياه بخفض أسعار الفائدة «بشكل كبير الآن».
وهدد ترامب قائلاً: «إذا واصل [باول] الرفض، فيجب على المجلس تولي زمام الأمور وفعل ما يعرف الجميع أنه يتعين القيام به!». هذا التصريح يُظهر محاولة ترامب حث أعضاء مجلس الحكام على تجاوز باول واتخاذ قرارات أسعار الفائدة بأنفسهم.
الانقسام التاريخي داخل الفيدرالي
شهد اجتماع الأربعاء 30 يوليو أول انقسام مزدوج في تاريخ الاحتياطي الفيدرالي منذ عام 1993، حيث صوت كل من كريستوفر والر وميشيل بومان ضد قرار تثبيت أسعار الفائدة عند مستوى 4.25%-4.5%، ودعوا بدلاً من ذلك لخفضها بـربع نقطة مئوية.
هذان العضوان، اللذان عيّنهما ترامب في ولايته الأولى، برروا موقفهما بالقلق من تدهور سوق العمل واعتبروا أن التأثيرات التضخمية للرسوم الجمركية مؤقتة وليست دائمة. قال والر: «أعتقد أن نهج الانتظار والترقب مفرط في الحذر ولا يوازن بشكل كافٍ بين مخاطر التوقعات».
الفرصة الذهبية لترامب
تمنح استقالة كوغلر ترامب فرصة ذهبية لتعيين شخص يؤيد خفض أسعار الفائدة، خاصة أن ولايتها كانت ستنتهي في يناير القادم. يمكن لترامب الآن تعيين مرشحه المفضل لمجلس الحكام بموافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
تشير التقارير إلى أن ترامب يفكر في تعيين شخص يمكن أن يصبح لاحقاً رئيساً للاحتياطي الفيدرالي خلفاً لباول عندما تنتهي ولايته في مايو 2026. من بين المرشحين المحتملين كيفن هاسيت من مجلس المستشارين الاقتصاديين، وكيفن وارش المحافظ السابق، ووزير الخزانة سكوت بيسنت.
تدهور البيانات الاقتصادية يدعم موقف ترامب
جاءت استقالة كوغلر بالتزامن مع صدور بيانات وظائف مخيبة للآمال في يوليو، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي 73,000 وظيفة فقط مقابل توقعات أعلى، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 4.2%. الأخطر من ذلك كانت المراجعات الهبوطية الكبيرة لبيانات مايو ويونيو، حيث تم تخفيض عدد الوظائف المضافة بحوالي 258,000 وظيفة.
هذه البيانات الضعيفة عززت حجج أنصار خفض الفائدة وزادت من توقعات السوق لخفض الفائدة في اجتماع سبتمبر إلى 80% بعد أن كانت أقل من 40% قبل صدور البيانات.
رد فعل الأسواق والتحليلات
استجابت الأسواق المالية بقوة لاستقالة كوغلر والبيانات الاقتصادية الضعيفة. انخفضت عوائد سندات الخزانة بشكل حاد، حيث تراجع عائد السندات لأجل عامين بأكثر من 28 نقطة أساس إلى 3.67%، بينما انخفض عائد العشر سنوات بـ14 نقطة أساس إلى 4.21%.
قال كريس روبكي من FWDBONDS: «شهدت أسعار السندات ارتفاعاً حاداً عقب صدور تقرير الوظائف المهم للغاية، حيث فُتح باب خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر بشكل أكبر».
التوقيت الاستراتيجي للاستقالة
يثير توقيت استقالة كوغلر تساؤلات عديدة، خاصة أنها جاءت مباشرة بعد الانقسام التاريخي في الفيدرالي وتصاعد الضغوط من ترامب. المحللون يرون أن الاستقالة قد تكون نتيجة للضغوط السياسية المتزايدة أو رغبة في تجنب المعارك القادمة بين ترامب والفيدرالي.
قال خوان بيريز من Monex USA: «الأسواق ستنظر لهذه الاستقالات كضربة لقوة الدولار. استقرار الدولار الأمريكي يعتمد إلى حد كبير على سلطة واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي».
مطالب ترامب الجذرية بخفض الفائدة
يطالب ترامب بخفض أسعار الفائدة إلى أقل من 1%، معتبراً أن الاقتصاد الأمريكي لا يواجه تضخماً يُذكر وأن الفائدة المرتفعة تُكلف الحكومة والمستهلكين مليارات الدولارات. يقول ترامب: «يجب أن نصل إلى 1%. بل يجب أن نكون أقل من 1%».
لكن الخبراء يحذرون من أن خفضاً بهذا الحجم قد يُفسر كضعف اقتصادي وليس قوة، خاصة في ظل نمو اقتصادي قوي ومعدل بطالة منخفض. قال جريجوري داكو من EY-Parthenon: «لست مقتنعاً بأن خفض سعر الفائدة إلى 1% سيؤدي تلقائياً إلى تراجع الفائدة طويلة الأجل. السوق قد تفسر هذه الخطوة كدليل على فقدان استقلالية البنك المركزي».










