في خطوة غير متوقعة، حسم القضاء الإسباني إجراءات قضية المقاول المصري السابق محمد علي، بإصدار حكم نهائي يقضي بترحيله إلى مصر، بعد سلسلة طويلة من المعارك القانونية ومحاولات الفريق الدفاعي منع ترحيله. وجاء هذا القرار عقب مراجعة دقيقة للملفات المقدمة من الجانب المصري، والتي شملت اتهامات له بالتحريض ضد الدولة، وغسل الأموال، والتهرب من الضرائب.
الحكم القضائي الإسباني صدر قبل حوالي أسبوعين، بعد صراع قانوني وسياسي امتد لنحو خمس سنوات بخصوص تسليم محمد علي. ورغم تقديم فريق الدفاع العديد من الحجج التي تدور حول الطابع السياسي للاتهامات الموجهة إليه، إلا أن المحكمة الإسبانية ركزت على طبيعة الاتهامات الجنائية ضده، مشيرة إلى ضلوعه في قضايا اختلاس أموال عامة من خلال شركات مقاولات وارتكاب مخالفات مالية على نطاق كبير.
كان الطلب المصري الرسمي لترحيله قد قُدّم في عام 2020، مصحوبًا بملف قضائي موسع يحتوي على تفاصيل الاتهامات. مثل محمد علي أمام القضاء في العاصمة مدريد منتصف ذلك العام، ولم يُحبَس حينها بل تم الإفراج عنه مؤقتًا إلى حين صدور قرار نهائي في القضية.
لم يكن مسار ترحيل محمد علي وليد اللحظة، إذ ارتبط بمغادرته مصر إلى إسبانيا عام 2018، بعد سنوات قضاها في تنفيذ مشاريع حكومية كمقاول معروف. غير أن تحوله إلى معارض بارز حدث بعد نشره عدة مقاطع فيديو سنة 2019، اتهم خلالها جهات رفيعة المستوى بالفساد، وأشار إلى بناء قصور رئاسية بتكلفة ضخمة، ما أحدث ضجة كبيرة محليًا ودوليًا. وعلى إثر ذلك، بادرت السلطات المصرية بإجراء تحقيقات ورفع دعاوى تتعلق بغسل الأموال، واختلاس ملايين اليورو، إلى جانب التحريض على التظاهر ومحاولة تقويض النظام الدستوري.
من جانب آخر، عمل الدفاع الإسباني بقوة على إثبات أن هذه الاتهامات تحمل صبغة سياسية، مؤكداً أنها جاءت بسبب مواقف محمد علي المعارضة، وحاول الاستفادة من القوانين الإسبانية التي تعيق تسليم الأفراد المطلوبين في قضايا حرية التعبير أو النشاط السياسي. ومع ذلك، رأت المحكمة أن الملف المصري يحوي أدلة واضحة على مخالفات مالية وقانونية لا تقتصر على حرية الرأي، بل تنضوي تحت أفعال جنائية مثبتة، مما أعطى الضوء الأخضر لتنفيذ الترحيل.
مع صدور الحكم النهائي، بدأت السلطات الإسبانية بالفعل اللجوء لإجراءات تنفيذية بالتعاون مع السلطات المصرية من أجل تسليم محمد علي خلال الأيام القليلة المقبلة، مؤكدة مراعاة الجوانب الحقوقية، وضمان تطبيق القوانين المتعلقة بعدم التعرض لأي انتهاكات عقب عودته.
ينتظر أن يخضع محمد علي لمحاكمة في مصر تتعلق بعدة قضايا، من أبرزها الحكم الغيابي الصادر ضده بالسجن المؤبد عام 2023 في ما يرتبط بالتحريض على مظاهرات وأعمال عنف.
ترحيل محمد علي يتخطى حدود الخلاف السياسي، حيث يستند القرار أساساً إلى قضايا مالية وجنائية جرى التحقق منها، إذ يتيح القانون الإسباني تسليم المطلوبين إذا ثبت تورطهم بجرائم جنائية فعلية. المحكمة أوضحت أيضاً أن الدفاع السياسي لا يعد كافيًا لتعطيل الترحيل، ما دامت هناك أدلة واضحة وموضوعية على ارتكاب جرائم.
شهد التعاون القضائي بين مصر وإسبانيا تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ما سهّل إجراءات التسليم لمواكبة التطورات الأوروبية في التعامل مع الملفات العابرة للحدود، والتي تتطلب تمييزاً بين المواقف السياسية والجرائم الاقتصادية والجنائية.
باختصار، يُعتبر قرار السلطات الإسبانية بترحيل محمد علي إلى مصر نهاية للجدل الذي أثارته قضيته على مدار سنوات، ورسالة مفادها أن الاتهامات المالية الخطيرة لا يمكن تغطيتها بادعاءات اللجوء السياسي، مع التأكيد على التزام القانونين الإسباني والمصري بمعايير العدالة الدولية










