كشف الجيش السوداني عن مقتل وأسر مرتزقة كولومبيين يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع في معارك مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، في تطور خطير يسلط الضوء على الأبعاد الدولية للحرب المستمرة في السودان منذ أبريل 2023.
الأدلة المكشوفة والتوثيق
الفيديوهات والوثائق
نشر الجيش السوداني والقوة المشتركة للحركات المسلحة مقاطع فيديو صادمة تُظهر مرتزقة كولومبيين يتجولون داخل مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر، والذي استولت عليه قوات الدعم السريع في أبريل 2025. تم العثور على هذه المقاطع في هواتف المرتزقة القتلى، مما يؤكد بوضوح طبيعة تورطهم في النزاع.
أكد المتحدث باسم مخيم زمزم، محمد خميس دودة، أن قوات الدعم السريع منحت المخيم بالكامل لمرتزقة من كولومبيا بعد تشريد 499 ألف نازح، وأن هؤلاء المرتزقة يتجولون بحرية بين ركام المنازل وجثامين الضحايا التي لم يتم دفنها.
المعارك الأخيرة ونتائجها
تمكنت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني من صد هجوم واسع شنته قوات الدعم السريع على المحورين الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي لمدينة الفاشر يومي الجمعة والسبت الماضيين. خلال هذه المعارك:
لقي عدد غير محدد من المرتزقة الكولومبيين مصرعهم
تم أسر قائد عسكري يحمل الجنسية الكولومبية
تم تدمير عدد من العربات القتالية وحرقها
كبدت القوات الحكومية المهاجمين خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد
السياق التاريخي والاعتراف الدولي
الاعتذار الكولومبي الرسمي
في تطور لافت، اعتذرت كولومبيا رسمياً في ديسمبر 2024 عن مشاركة مواطنيها في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع. جاء هذا الاعتذار خلال لقاء بين وزير خارجية السودان علي يوسف ونظيره الكولومبي لويس جلبيرتو موريللو.
أعربت آن ميلنيادي غافيريا، سفيرة كولومبيا لدى القاهرة، عن صدمة شعب وحكومة بلادها لمشاركة مواطنين كولومبيين في الحرب الدائرة بالسودان، ووصفت السلوك بأنه “غير مسؤول”.
شبكات التجنيد والخداع
وفقاً لتحقيقات صحفية أجرتها منصة “La Silla Vacía” الكولومبية، تم خداع المقاتلين الكولومبيين بعروض عمل وهمية كحراس أمن في مواقع نفطية، ليجدوا أنفسهم في خضم الحرب في دارفور. كشفت التقارير أن:
300 مرتزق كولومبي تم تجنيدهم في الأصل ليعملوا كحراس أمن في الإمارات
تتم عمليات التجنيد عبر شركات أمنية مقرها في الإمارات
يتم نقل المقاتلين عبر ليبيا أو تشاد إلى السودان
الشركة المسؤولة هي “المجموعة العالمية للخدمات الأمنية” الإماراتية
التحالفات المعقدة والتطورات الميدانية
مشاركة الحركة الشعبية – شمال
في تطور خطير آخر، أكدت القوة المشتركة مشاركة قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في الهجوم على الفاشر إلى جانب الدعم السريع. هذا التحالف يمثل تطوراً استراتيجياً مهماً في ديناميكيات الصراع.
الأطراف الأجنبية المتورطة
أشارت القوة المشتركة إلى مشاركة مقاتلين أجانب من جنوب السودان وتشاد وإثيوبيا وكينيا في هجمات الدعم السريع على الفاشر. هذا التنوع في الجنسيات يكشف عن شبكة معقدة من التجنيد الإقليمي والدولي التي تستخدمها قوات الدعم السريع لتعويض نقص القوى البشرية.
الوضع الإنساني الكارثي
حصار الفاشر وتداعياته
تعيش مدينة الفاشر حصاراً مستمراً منذ 15 شهراً بواسطة قوات الدعم السريع، مما أدى إلى:
انتشار المجاعة وسط المدنيين
وصول سعر الحبوب الغذائية (الدخن) إلى قرابة خمسة مليارات جنيه، ما يعادل ألف دولار أمريكي
توقف كامل للمطابخ الخيرية المعروفة محلياً بـ”التكايا”
الإحصائيات المروعة
حذرت الأمم المتحدة من أن:
25 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة
13 مليون شخص نزحوا داخلياً
1.5 مليون آخرين أصبحوا لاجئين
640 ألف طفل مهددون بسوء التغذية الحاد
149 حالة وفاة بالكوليرا تم تسجيلها في دارفور
أبعاد الصراع الإقليمية والدولية
الاتهامات الموجهة للإمارات
تتهم الحكومة السودانية الإمارات العربية المتحدة بدعم قوات الدعم السريع بالأسلحة والتمويل، وبتسهيل عمليات تجنيد المرتزقة الأجانب. هذه الاتهامات تكتسب مصداقية إضافية مع كشف شبكات التجنيد المرتبطة بشركات أمنية إماراتية.
المقارنة مع مجموعة فاغنر الروسية
يذكر تورط المرتزقة الكولومبيين بنشاط مجموعة فاغنر الروسية في أفريقيا، حيث تستخدم موسكو مرتزقة في عدة دول أفريقية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية دون التورط الرسمي. هذا النمط من استخدام المرتزقة يعكس اتجاهاً عالمياً متزايداً نحو “الحروب بالوكالة”.
التداعيات القانونية والسياسية
جرائم الحرب والمحاسبة
تواجه جميع أطراف النزاع السوداني اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. في دارفور تحديداً، قتلت قوات الدعم السريع والجنجويد ما لا يقل عن 1,100 شخص غير عربي في الجنينة، فيما وصفت حكومتا المملكة المتحدة والولايات المتحدة العنف بأنه يساوي التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية.
الإنكار والدعاية المضادة
من جانبها، تنفي قوات الدعم السريع بشكل قاطع وجود أي مقاتلين أجانب في صفوفها. قال الباشا بيض، مستشار قائد الدعم السريع: “أنفي لك نفياً قاطعاً بأن قوات الدعم السريع تقاتل لوحدها في الميدان ولا توجد أي قوات أجنبية”. واعتبر الفيديوهات المنشورة “مجرد دعاية رخيصة وفبركات لا أساس لها من الصحة”.
مستقبل الصراع والتدخل الدولي
التحذيرات من التقسيم
حذر مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، من أن دارفور “ستصبح دولة من الدول كأمر واقع” إذا استمرت سيطرة الدعم السريع لمدة عام أو عامين. هذا التحذير يعكس مخاوف جدية من تفكك السودان وتحوله إلى دويلات متناحرة.
الحاجة الماسة للتدخل الدولي
مع دخول الحرب عامها الثالث، تتزايد الدعوات الدولية لتدخل أكثر فعالية لوقف المأساة الإنسانية. لكن الأزمة السودانية تحظى باهتمام عالمي أقل بكثير من النزاعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، حيث وصل 10% فقط من الأموال المطلوبة لخطة الإغاثة البالغة 1.8 مليار دولار










