قال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، إن سوريا تقف أمام مفترق طرق تاريخي بعد أكثر من أربعة عشر عاما من الحرب الأهلية، مشددا على أن “التغيير قادم لا محالة”، وأن اتفاق 10 آذار/مارس بين “قسد” والحكومة السورية يشكل منعطفا جوهريا في إعادة بناء الدولة السورية.
جاءت تصريحات عبدي في مقابلة خاصة مع صحيفة “يني ياشام”، تناول خلالها أبعاد الاتفاق، موازين القوى في سوريا، ومستقبل العلاقة مع كل من دمشق وتركيا، إضافة إلى الموقف من هيئة تحرير الشام التي تمسك بزمام الحكم في دمشق منذ ديسمبر 2024.
اتفاق 10 مارس آذار: محاولة إنقاذ سوريا من التقسيم
أكد مظلوم عبدي أن سوريا كانت تتجه إلى حرب أهلية شاملة، تتخذ طابعا طائفيا وعرقيا خطيرا، مما استدعى اتفاقا بين “قسد” والحكومة السورية لوقف إطلاق النار، منعا لانفجار أوسع.
وقال عبدي “الاتفاق كان ضروريا لتفادي انهيار شامل… كنا نخشى اندلاع اقتتال بين الأكراد والعرب، والعلويين والسنة. وقف النار ضرورة وطنية، لا خيارا سياسيا فقط”، بحسب عبدي.
الاتفاق الذي تم بوساطة منظمات مجتمع مدني أمريكية وبريطانية، نص على وقف شامل لإطلاق النار، وإطلاق عملية تفاوض موسعة حول مستقبل الدولة السورية، وهو ما اعتبره عبدي “خطوة نحو بناء سوريا لا مركزية، ديمقراطية، تتسع لكل مكوناتها”.
تحولات سياسية: من قومية بعثية إلى إسلاموية قومية
في قراءته للمشهد السوري بعد سقوط نظام البعث، أشار عبدي إلى أن التحول الحاصل في سوريا جذري وخطير. فقد انتقلت البلاد، برأيه، من “نظام قومي شمولي”، إلى حكم قائم على “أيديولوجيا قومية إسلامية” تحت راية هيئة تحرير الشام، وهو تحول له تداعيات داخلية وإقليمية.
وقال عبدي “ما يجري لا يعني فقط تغيير الحكم في دمشق، بل دخول سوريا في معسكر جديد معاد لمحورها التقليدي. وهذا يعيد رسم ملامح الشرق الأوسط”.
الموقف التركي: لا اعتراض مباشر على الاتفاق
وحول العلاقة مع تركيا، كشف مظلوم عبدي عن قنوات اتصال مفتوحة بين قسد وأنقرة، قائلا إن تركيا لم توافق رسميا على اتفاق 10 آذار لكنها لم تعرقل تنفيذه أيضا.
وأضاف قائد قسد “تركيا تقول لنا: عليكم أن تتوصلوا لاتفاق مع دمشق. هذا مؤشر إيجابي… نأمل أن تلعب أنقرة دورا بناء في دعم السلام”.
ورغم تباين الرؤى حول طبيعة “قسد” ودورها المستقبلي، أصر عبدي على أن قواته سورية الهوية، وستكون جزءا من الجيش السوري إذا ما أعيد توحيده.
لا لقاءات مباشرة مع أحمد الشرع بعد الاتفاق
عن التواصل مع رئيس هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، الذي تولى السلطة في دمشق منذ ديسمبر الماضي، نفى عبدي وجود لقاء مباشر بعد اتفاق 10 آذار، مكتفيا بالقول إن “الاتصالات مستمرة، لكن لم نر ضرورة لعقد لقاء كبير بعد”.
ورأى عبدي أن الاتفاق مع الشرع، رغم هشاشته، جنب البلاد مزيدا من التشظي، مشيرا إلى أن سوريا كانت قبل الاتفاق منقسمة بين أربع سلطات، وأن الاتفاق يهدف إلى إعادة توحيد البلاد عبر الحوار، لا عبر الحسم العسكري.
دور أمريكي – غربي غير مباشر
وأكد القائد العام لقسد أن القوات الأمريكية لعبت دورا لوجستيا وأمنيا حاسما في عقد اجتماع 10 آذار، رغم عدم مشاركتها المباشرة في الجلسات. كما أشار إلى مشاركة فرنسا والمملكة المتحدة في دعم المسار السياسي الجديد.
سوريا تتغير… لكن بأي اتجاه؟
يرى مراقبون أن المرحلة الجديدة في سوريا، بقدر ما تحمل آمالا بإنهاء الحرب الأهلية الطويلة، إلا أنها تحمل أيضا تحديات مرتبطة بمشاريع التفرد والاستقطاب الطائفي، خاصة مع صعود هيئة تحرير الشام واعتمادها على تحالفات إقليمية، وسط تهميش مستمر لمطالب الكرد والدروز والعلويين.
من جهته، شدد مظلوم عبدي على أن “الحل يكمن في سوريا ديمقراطية لا مركزية، تضمن المساواة بين المكونات، وتحفظ الحقوق الثقافية والسياسية للجميع”، مضيفا:”لن نقبل العودة إلى شمولية البعث، ولا القبول بثيوقراطية تقصي الجميع تحت شعار الدين أو الطائفة”.
في الانتظار: محادثات باريس، واتفاق دائم
يتواصل النشاط الدبلوماسي حول سوريا، مع الاستعداد لمؤتمر باريس المرتقب، الذي سيجمع القوى الكردية، وممثلين عن دمشق، إلى جانب الدول الضامنة. فهل تنجح قوات سوريا الديمقراطية في تأمين مكان لها على طاولة الحل السياسي؟ وهل تنجح اتفاقيات وقف النار في التحول إلى تسوية دائمة؟










