في تطور خطير يهدد الاستقرار الإقليمي في القرن الأفريقي، أصدرت القوات الإثيوبية إنذارا نهائيا مدته ثلاثة أيام للقوات الحكومية الصومالية للانسحاب الفوري من بلدة بلد هاو الاستراتيجية، مما يعمق الأزمة الإثيوبية الصومالية التي تتفاعل منذ أشهر.
أزمة بلد هاو: جذور النزاع والتصعيد الحالي
تشهد منطقة جيدو الحدودية توترات متصاعدة منذ وصول عبد الرشيد جنان، الشخصية السياسية المثيرة للجدل، إلى بلد هاو بصحبة قوات فيدرالية صومالية. جنان، الذي كان وزير أمن جوبالاند سابقا قبل أن يعينه مركز الاستخبارات الوطني الصومالي رئيسا إقليميا للوكالة، يمثل رمزا للصراع المحتدم بين جوبالاند والحكومة الفيدرالية.
الخلفية التاريخية للنزاع
يعود النزاع الحدودي في القرن الأفريقي إلى عقود من التوترات بين إثيوبيا والصومال حول المناطق الحدودية، خاصة منطقة أوغادين التي تضم أعدادا كبيرة من العرقية الصومالية. وقد تعقدت هذه الخلافات مع انهيار الدولة الصومالية عام 1991 وتدخل إثيوبيا المستمر في الشؤون الصومالية تحت مبررات أمنية.
الوضع العسكري والتطورات الميدانية
نشر القوات الإثيوبية
في خطوة استفزازية، نشرت إثيوبيا أكثر من 180 مركبة عسكرية مدرعة في المناطق الحدودية مع الصومال، بما في ذلك 40 دبابة، وفقا لمصادر متعددة. هذا النشر العسكري الضخم يأتي في توقيت حساس مع اقتراب انتهاء مهمة الاتحاد الأفريقي الانتقالية وبداية المهمة الجديدة للدعم والاستقرار.
المواجهات في دولو وبلد هاو
شهدت بلدة دولو المجاورة اشتباكات بين القوات الإثيوبية ووحدات الاستخبارات الصومالية، حيث تم تدمير منشأة تابعة لوكالة الاستخبارات والأمن الوطني الصومالية واعتقال قائدها. هذه الأحداث تؤكد تدهور الوضع الأمني في الصومال وتعقيد الديناميكيات الأمنية في المنطقة.
جوبالاند في مواجهة مقديشو
أزمة الشرعية السياسية
تمثل أزمة جوبالاند جزءا من صراع دستوري أوسع حول طبيعة النظام الفيدرالي الصومالي. فقد رفض أحمد مدوبي، رئيس جوبالاند، التعديلات الدستورية التي أقرتها الحكومة المركزية وأجرى انتخابات إقليمية أحادية الجانب حصل خلالها على ولاية ثالثة.
“أصدرت القوات الإثيوبية أوامر تتعلق بالقوات الفيدرالية في معسكر المملكة المتحدة وكبار المسؤولين، خاصة عبد الرشيد جنان. تم منحهم مهلة ثلاثة أيام” – محافظ منطقة جيدو عبد الله شمبر
التداعيات الاقتصادية والإنسانية
أدى التوتر في منطقة جيدو إلى نزوح آلاف المدنيين وتعطيل الخدمات الأساسية في بلد هاو. كما فرضت الحكومة الفيدرالية حظرا جويا على جوبالاند، مما أثر على حركة الطيران والتجارة في المنطقة.
التدخل الإقليمي والدولي
الدور التركي ومصر والإمارات
لعبت تركيا دورا محوريا في الوساطة بين إثيوبيا والصومال من خلال إعلان أنقرة الذي وقع في ديسمبر 2024. هذا الاتفاق، الذي توسط فيه الرئيس التركي أردوغان، هدف إلى حل التوترات حول اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال مقابل الحصول على منفذ بحري.
في المقابل، تدعم مصر الحكومة الصومالية عسكريا في إطار اتفاقية أمنية وقعتها البلدان، مما أثار مخاوف إثيوبية من وجود عسكري مصري قريب من حدودها. هذا التحالف المصري-الصومالي يأتي في سياق الخلاف المصري-الإثيوبي حول سد النهضة الإثيوبي الكبير.
مكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية
تهديد حركة الشباب
تشكل حركة الشباب الصومالية تحديا أمنيا رئيسيا في المنطقة، حيث استغلت التوترات بين الحكومات لتوسيع نفوذها. وقد شنت الحركة هجمات عبر الحدود ضد إثيوبيا، بما في ذلك غزو واسع النطاق عام 2022 تمكنت خلاله من اختراق العمق الإثيوبي لمسافة 150 كيلومترا.
التحديات الأمنية المشتركة
رغم الخلافات السياسية، تواجه إثيوبيا والصومال تهديدات مشتركة من الجماعات المتطرفة، مما يستدعي تنسيقا أمنيا وثيقا. وقد أكد إعلان أنقرة على أهمية الحفاظ على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب رغم الخلافات السياسية.
مستقبل المهام الأفريقية
مهمة AUSSOM الجديدة
بدأت مهمة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار رسميا في يناير 2025 بـ11,900 فرد عسكري ومدني. وتشمل المهمة قوات من أوغندا (4,500)، إثيوبيا (2,500)، جيبوتي (1,520)، كينيا (1,410)، ومصر (1,091).
هذا التوزيع الجديد للقوات يعكس التوازنات الإقليمية المعقدة، حيث تم إدماج مصر لأول مرة في مهمة الاتحاد الأفريقي في الصومال، بينما تم استبعاد بوروندي بعد خلافات حول أعداد القوات.
التحليل والاستشراف
سيناريوهات التصعيد
يطرح الإنذار الإثيوبي عدة سيناريوهات محتملة:
- الانسحاب السلمي: قد تختار الحكومة الصومالية سحب قواتها تجنبا للتصعيد
- المواجهة المباشرة: رفض الانسحاب قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة
- التصعيد الإقليمي: دخول أطراف إقليمية أخرى على خط الأزمة
التداعيات على الاستقرار الإقليمي
يهدد التصعيد في بلد هاو الجهود الدولية لاستقرار الصومال ومنطقة القرن الأفريقي عموما. فالمنطقة تشهد بالفعل صراعات متعددة في السودان واليمن، مما يزيد من مخاطر انتشار عدم الاستقرار.










