في تطور دبلوماسي غير مسبوق، أعلنت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية يوم الثلاثاء 5 أغسطس 2025، عن قيام إسرائيل بـإجلاء موظفي سفارتها في العاصمة اليونانية أثينا من مقار إقامتهم، وذلك بسبب تصاعد التوتر في التعامل مع الإسرائيليين وسط احتجاجات شعبية واسعة مناهضة لإسرائيل في جميع أنحاء اليونان.
جاء هذا القرار الاستثنائي على خلفية أزمة دبلوماسية حادة اندلعت بين السفير الإسرائيلي نوعام كاتس ورئيس بلدية أثينا هاريس دوكاس، بالإضافة إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية المؤيدة للفلسطينيين في العاصمة والجزر اليونانية.
جذور الأزمة الدبلوماسية
تعود بداية هذه الأزمة إلى انتقادات حادة وجهها السفير الإسرائيلي نوعام كاتس إلى بلدية أثينا في مقابلة مع صحيفة “كاثيميريني” اليونانية، حيث اتهم السلطات المحلية بـعدم بذل جهود كافية لإزالة رسوم الغرافيتي التي وصفها بأنها “معادية للسامية” وتسيء لمشاعر السياح الإسرائيليين.
وقال السفير كاتس إن “أقليات منظمة” تكتب شعارات معادية لإسرائيل في شوارع أثينا، وأن بلدية المدينة لا تقوم بـ“تنظيف” هذه الكتابات بما يكفي، مما يجعل السياح الإسرائيليين يشعرون بـ“القلق وعدم الارتياح”.
رد قاسي من رئيس بلدية أثينا
لم يتأخر الرد من هاريس دوكاس، رئيس بلدية أثينا والعضو في حزب “باسوك” الاشتراكي المعارض، الذي وجه انتقادات لاذعة للسفير الإسرائيلي في منشور حاد على منصة “إكس”.
وقال دوكاس في رده الشهير: “لا نتلقى دروساً في الديمقراطية من أولئك الذين يقتلون المدنيين والأطفال يومياً في غزة بالقنابل والجوع والعطش”.
وأضاف رئيس البلدية: “أثينا، عاصمة دولة ديمقراطية، تحترم زوارها، لكنها تدافع أيضاً عن الحق في حرية التعبير لمواطنيها”، مشدداً على أن “المثير للسخط أن يركز السفير على كتابات على الجدران، في حين تُرتكب إبادة جماعية لا سابقة لها ضد الفلسطينيين في غزة”.
موجة احتجاجات عارمة في الجزر اليونانية
شهدت الجزر اليونانية خلال الأسابيع الأخيرة سلسلة من الاحتجاجات الحاشدة ضد السفن السياحية التي تقل إسرائيليين، في مشاهد لم تشهدها اليونان منذ عقود.
جزيرة سيروس: أول انتصار للمحتجين
في 22 يوليو 2025، تظاهر حوالي 150 شخصاً في جزيرة سيروس ضد زيارة السفينة السياحية “كراون إيريس”، رافعين شعارات تندد بـ“الإبادة الجماعية” وتدعو إلى “الحرية لفلسطين”. وعلى إثر هذه التظاهرة، غادرت السفينة الجزيرة قبل الموعد المحدد، وأعلنت الشركة المشغلة “مانو كروز” الإسرائيلية تغيير وجهة الرحلة.
رودس وكريت: تصعيد الاحتجاجات
في 28 يوليو، شهدت جزيرة رودس احتجاجات مماثلة ضد رسو السفينة نفسها، وسط صدامات مع شرطة مكافحة الشغب. وفي 29 يوليو، تكررت المشاهد في جزيرة كريت، حيث رفع المتظاهرون علماً فلسطينياً كبيراً في ميناء أجيوس نيكولاوس وهتفوا “الحرية لفلسطين”.
استخدمت الشرطة رذاذ الفلفل لتفريق المتظاهرين، وتم اعتقال أربعة أشخاص، لكن الاحتجاجات استمرت حتى مغادرة السفينة.
أثينا: مسرح المظاهرات المستمرة
منذ 7 أكتوبر 2023، تشهد العاصمة اليونانية أثينا تظاهرات مستمرة مؤيدة للفلسطينيين، شارك فيها آلاف المتظاهرين من مختلف الفئات الاجتماعية.
تطور المظاهرات زمنياً
12 أكتوبر 2023: تجمع 200 متظاهر في ميدان سينتاجما
13 أكتوبر 2023: سار 2000 متظاهر باتجاه السفارة الإسرائيلية
29 أكتوبر 2023: تظاهر حشد من 5000 شخص مطالبين بإنهاء “مذبحة غزة”
15 مايو 2024: سار 2500 شخص باتجاه السفارة الإسرائيلية مع اشتباكات مع الشرطة
ردود الفعل السياسية اليونانية
المعارضة تدين التدخل الإسرائيلي
أصدر “حزب اليسار الجديد” اليوناني بياناً قال فيه: “من غير المقبول أن يتحول الانزعاج الدبلوماسي إلى محاولة لإملاء سياسات على السلطات المحلية”، معتبراً أن مطالب السفارة الإسرائيلية “تمس بالحقوق الديمقراطية الأساسية”.
الحكومة في موقف حرج
تواجه حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس اليمينية وضعاً حرجاً، حيث تحاول التوازن بين العلاقات التاريخية مع الدول العربية.
وكذلك التعاون الاستراتيجي المتنامي مع إسرائيل في مجالات الأمن والطاقة ،والضغط الشعبي المتزايد المؤيد للفلسطينيين.
أزمة وزير العدل والانقسام السياسي
أثارت الاحتجاجات جدلاً سياسياً حاداً داخل اليونان، حيث وصف وزير العدل يورغوس فلوريديس الاحتجاجات بأنها محاولة لـ“تقويض العلاقة الاستراتيجية” بين أثينا وتل أبيب، معتبراً أن هذه التصرفات “تخدم مصالح تركيا”.
رد النائب ديميتريس مانتزوس من حزب “باسوك” المعارض مطالباً الوزير بـسحب تصريحاته أو الاستقالة، معتبراً كلامه غير مقبول.
الأرقام تكشف حجم التدفق الإسرائيلي
كشف رئيس بلدية أثينا عن أرقام مثيرة حول التدفق الإسرائيلي إلى اليونان زيادة بنسبة 90% في عدد الإسرائيليين الحاصلين على “التأشيرة الذهبية” اليونانية خلال 2024
وازدياد ملحوظ في عدد السياح الإسرائيليين منذ اندلاع حرب غزة، واستثمارات عقارية متزايدة من قبل الإسرائيليين.










