تشهد سلطنة عمان موجة غضب واستياء واسعة ضد الداعية الإخواني الكويتي سالم الطويل، بعد تصريحاته المثيرة للجدل التي تضمنت إساءات صريحة لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، إلى جانب تكفيره للمذهب الإباضي الذي يتبعه معظم العمانيين.
الخلفية التاريخية للجدل
لم تكن تصريحات الطويل الأخيرة هي الأولى من نوعها، حيث تعود جذور الخلاف إلى عام 2022 عندما أطلق حملة منهجية ضد المفتي العماني والمذهب الإباضي. ففي يونيو 2022، نشر الطويل عدة مقاطع فيديو ومقالات مكتوبة انتقد فيها بشدة الشيخ الخليلي، واصفاً إياه بـ”الخارجي القعدي الإخواني” و”الملحد”.
في سلسلة مقالاته المثيرة للجدل، كتب الطويل على موقعه الرسمي: “الشيخ أحمد الخليلي إباضي خارجي من طائفة القعدية… والإباضية من الخوارج”. كما اتهم المذهب الإباضي بـ”تكفير الصحابة” و”نفي رؤية المؤمنين لربهم” و”القول بخلق القرآن”.
الرد العماني: “خفافيش يوحشها الضوء“
لم يبق المفتي العماني صامتاً أمام هذه الهجمات، حيث رد بطريقة رمزية في بيان أصدره قائلاً: “خفافيش يوحشها الضوء”، في إشارة واضحة إلى منتقديه دون ذكر أسماء محددة.
وأكد الشيخ الخليلي مراراً في بياناته الرسمية موقف الإباضية الواضح بأن “من نطق بالشهادتين فهو مسلم”، في رد مباشر على اتهامات التكفير الموجهة إليه.
ردود العلماء والمفكرين
تصدى العديد من العلماء والمثقفين للرد على ما وصفوه بـ”الخطاب التكفيري” للطويل. الشيخ مسعود المقبالي، نائب مفتي عمان، أصدر سلسلة من الردود العلمية المفصلة تحت عنوان “ضمن سلسلة إجابات – الرد على سالم الطويل”، دحض فيها اتهامات الطويل، خاصة فيما يتعلق بموقف الإباضية من الصحابة الكرام.
كما انتقد الشيخ فيصل الجاسم منهجية الطويل في الردود، مؤلفاً بحثاً بعنوان “جناية الشيخ سالم الطويل على منهج السلف وخروجه عن هديهم وطريقهم في باب الردود”، واصفاً إياها بأنها “تخرج عن منهج السلف في النقد والرد على المخالفين”.
ردود الفعل الشعبية والإعلامية
شهدت وسائل التواصل الاجتماعي في عمان موجة غضب عارمة ضد تصريحات الطويل، حيث انتشر هاشتاق #سالم_الطويل يطالب بمحاسبته قانونياً. المواطنون العمانيون عبروا عن استيائهم من وصف الطويل لهم بـ”الملحدين”، واعتبروا ذلك تجاوزاً غير مقبول.
سيف النوفلي، أحد النشطاء العمانيين، علق على الأمر قائلاً: “صوت النشاز لن يفرقنا… فما الذي أغضب سالم الطويل؟ أهو موقف الشيخ الخليلي الإنساني والديني، أم أن فضح الصمت المخزي للبعض بات يثير غضب من باعوا ضمائرهم؟”.
المطالبات بالمحاسبة القانونية
تصاعدت المطالب للحكومة الكويتية باتخاذ إجراءات قانونية ضد الطويل لوقف ما وصفه العمانيون بـ”التحريض الطائفي”. كما طالبت شخصيات عمانية رسمية بضرورة محاسبة من يثير الفتنة الطائفية بين الشعوب الشقيقة.
ناشط عماني كتب على منصة إكس: “نتابع بأسف بالغ الإساءات المتكررة من المدعو سالم الطويل تجاه المذهب الإباضي، وتطاوله غير المقبول على العلامة الجليل مفتي سلطنة عُمان”.
السياق الإقليمي والأبعاد السياسية
تأتي هذه القضية في ظل توترات إقليمية متزايدة، حيث انتقد المفتي العماني مؤخراً العدوان الإسرائيلي على فلسطين وأشاد بـ”الرد الإيراني الحازم”، قائلاً: “أثلج صدورنا رد إيران الحازم، وفتح باب الأمل بأن ينتهي الاحتلال الصهيوني البغيض للأراضي المقدسة إلى غير رجعة”.
كما دعا الشيخ الخليلي لـ”مؤازرة اليمن لرد العدوان الإسرائيلي”، مما قد يكون أثار حفيظة بعض التيارات المحافظة في المنطقة.
التعريف بالأطراف المعنية
سالم بن سعد الطويل (مواليد 16 مايو 1962) داعية كويتي وإمام مسجد الصقر في منطقة هدية. درس في المملكة العربية السعودية وتلمذ على يد عدد من العلماء البارزين. واجه في السابق عدة إشكاليات قانونية، حيث تم إيقافه عن العمل كمأذون شرعي لمدة سنة عام 2021، كما أثار جدلاً في قضايا أخرى.
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي (مواليد 1942) المفتي العام لسلطنة عمان منذ 1975، من مواليد زنجبار. يُعتبر من أبرز علماء المذهب الإباضي المعاصرين، وله مؤلفات عديدة في التفسير والعقيدة والفقه. يشغل عضوية مجمع الفقه الإسلامي ونيابة رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ويحظى باحترام واسع في الأوساط الإسلامية.
تداعيات مستقبلية
تبقى هذه القضية مثالاً حياً على خطورة الخطاب الطائفي وتأثيره المدمر على العلاقات بين الشعوب الإسلامية. بينما يدعو العقلاء من الطرفين إلى الحوار والتسامح، تستمر الأصوات المتشددة في إثارة الفتنة، مما يتطلب موقفاً حازماً من السلطات المختصة في الكويت وعمان لحفظ الأمن والسلم الاجتماعيين.
إن استمرار مثل هذا الخطاب التكفيري قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية في منطقة الخليج، خاصة في ظل التحديات الإقليمية الراهنة والحاجة الماسة للوحدة الإسلامية في مواجهة التهديدات المشتركة.










