في خطوة غير مسبوقة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين 11 أغسطس 2025، وضع إدارة شرطة العاصمة واشنطن تحت السيطرة الفدرالية المباشرة، مع نشر قوات الحرس الوطني في المدينة لمكافحة ما وصفه بموجة جرائم خارجة عن السيطرة.
وخلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، وصف ترامب يوم الاثنين بأنه “يوم التحرير في واشنطن”، قائلاً: “سنستعيد عاصمتنا”.
وأضاف الرئيس: “إنني أنشر الحرس الوطني للمساعدة في إعادة إرساء القانون والنظام والسلامة العامة في واشنطن، وسُيسمح لهم بالقيام بعملهم بشكل صحيح”.
خلفية القرار والأسباب المعلنة
جاء قرار ترامب في أعقاب سلسلة من الحوادث التي هزت العاصمة الأمريكية، أبرزها اعتداء على موظف سابق في إدارة كفاءة الحكومة (DOGE) يدعى إدوارد كوريستين، البالغ من العمر 19 عاماً، الذي تعرض للضرب أثناء محاولة سرقة سيارته من قبل مجموعة من المراهقين في 3 أغسطس. كما أشار ترامب إلى مقتل متدرب في الكونغرس يبلغ 21 عاماً في جريمة وحشية.
مقارنات ترامب المثيرة للجدل
في خطابه، قال ترامب إن “نسبة الجرائم في واشنطن اليوم أكثر من كولومبيا والمكسيك”، واصفاً الوضع بأنه “الأسوأ في العالم”. وأضاف أن العاصمة “تسيطر عليها العصابات والمجرمون ومروجو المخدرات والمشردون”.
حقيقة إحصائيات الجريمة في واشنطن
رغم ادعاءات الرئيس، تظهر البيانات الرسمية لشرطة العاصمة صورة مختلفة تماماً انخفاض الجريمة العنيفة بنسبة 35% في 2024 مقارنة بـ2023، مما يمثل أدنى مستوى في 30 عاماً.
وانخفاض الجريمة العنيفة بنسبة 26% في 2025 حتى 11 أغسطس مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
وتراجع جرائم القتل بنسبة 12% في 2025، وانخفاض السرقة بالإكراه بنسبة 28%،وتراجع سرقة السيارات بنسبة 37%.
وحسب وزارة العدل الأمريكية، فإن الجريمة العنيفة في واشنطن وصلت إلى أدنى مستوى لها في 30 عاماً في 2024.
نشر قوات إنفاذ القانون الفدرالية
قامت إدارة ترامب بنشر 450 عنصراً من 18 وكالة فدرالية مختلفة في شوارع واشنطن، بما في ذلك 120 عميلاً من مكتب التحقيقات الفدرالي للعمل في نوبات ليلية.
وعناصر من إدارة مكافحة المخدرات (DEA)،وعناصر من جهاز الخدمة السرية، وعناصر من مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية (ATF)، وعناصر من خدمة الهجرة والجمارك (ICE).
صلاحيات الرئيس القانونية
بموجب قانون الحكم الذاتي لمقاطعة كولومبيا لعام 1973، يحق للرئيس، السيطرة على شرطة المدينة لمدة 48 ساعة في حالات الطوارئ.
وقيادة الحرس الوطني لواشنطن مباشرة دون موافقة الحاكم (كما هو الحال في الولايات) وتمديد السيطرة لفترة أطول بإشعار الكونغرس.
موقف عمدة واشنطن
رفضت عمدة واشنطن مورييل باوزر ادعاءات ترامب حول ارتفاع الجريمة، قائلة في مقابلة مع شبكة MSNBC: “نحن لا نواجه موجة جرائم”. وأضافت أن “أي مقارنة بدولة تمزقها الحرب مبالغ فيها وخاطئة”، رداً على تصريحات مساعد رئيس أركان البيت الأبيض الذي وصف واشنطن بأنها “أكثر عنفاً من بغداد”.
وأعربت باوزر عن قلقها من استخدام الحرس الوطني في إنفاذ القانون المحلي، قائلة: “إنهم ليسوا من أفراد إنفاذ القانون، لذا لدي مخاوف بشأن ذلك”.
اعتراضات مجلس المدينة
وصف أعضاء في مجلس مدينة واشنطن تحركات ترامب بأنها “غير متناسبة ومتطرفة”. وأعرب المسؤولون المحليون عن إحباطهم من عدم التشاور معهم حول كيفية أفضل استخدام للموارد الفدرالية.
تاريخ الحكم الذاتي لواشنطن
تأسس قانون الحكم الذاتي لمقاطعة كولومبيا في عام 1973 تحت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، والذي منح سكان واشنطن الحق في انتخاب عمدة وأعضاء مجلس المدينة. قبل ذلك، كان الكونغرس والمفوضون المعينون فدرالياً يديرون شؤون المدينة المحلية.
المحاولات التشريعية لإلغاء الحكم الذاتي
قدم عضوا الكونغرس الجمهوريان مشروعي قوانين هذا العام لإلغاء الحكم الذاتي لواشنطن، لكن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ يمكنهم نظرياً منعهما باستخدام حق النقض التشريعي.
التأثيرات والتداعيات المحتملة
تحدي الحقوق الدستورية
يثير تدخل ترامب تساؤلات حول الحقوق الدستورية لأكثر من 700,000 من سكان واشنطن، الذين لا يملكون تمثيلاً بحق التصويت في الكونغرس. ويحذر خبراء القانون من أن هذه الخطوة قد تواجه تحديات قضائية.
سابقة خطيرة للتدخل الفدرالي
تمثل هذه الخطوة سابقة خطيرة للتدخل الفدرالي في الشؤون المحلية، خاصة في مدينة ذات أغلبية ديمقراطية. استخدم ترامب سابقاً الحرس الوطني في احتجاجات جورج فلويد عام 2020 وفي لوس أنجلوس هذا العام لمواجهة احتجاجات الهجرة.
التأثير على العلاقات الفدرالية-المحلية
قد تؤدي هذه الخطوة إلى تدهور العلاقات بين الحكومة الفدرالية والسلطات المحلية في واشنطن، وتثير تساؤلات حول حدود السلطة الرئاسية في التدخل في الشؤون المحلية.
الخطط المستقبلية والتوقعات
خطة “التجميل” للعاصمة
إلى جانب مكافحة الجريمة، أعلن ترامب عن خطط لـ“تجميل” العاصمة وإزالة المشردين من الشوارع، قائلاً: “يجب على المشردين المغادرة فوراً. سنوفر لهم أماكن للإقامة، لكن بعيداً عن العاصمة”.
احتمالية التوسع لمدن أخرى
أشار ترامب إلى أن هذه المبادرة قد تمتد لمدن أخرى، قائلاً: “سنبدأ بواشنطن، لكن الحملة الواسعة ضد الجريمة ستذهب أبعد لتشمل أمريكيين آخرين”. وذكر مدناً مثل شيكاغو ولوس أنجلوس ونيويورك كأهداف محتملة.
خلاصة التطورات
يمثل إعلان ترامب وضع شرطة واشنطن تحت السيطرة الفدرالية ونشر الحرس الوطني خطوة جذرية تتجاوز الاستجابة التقليدية لقضايا الأمن المحلي. رغم أن الإحصائيات الرسمية تظهر انخفاضاً كبيراً في الجريمة، إلا أن الرئيس يبرر تدخله بضرورة “تحرير” العاصمة من ما يصفه بالفوضى والجريمة.










