دفعت الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى ريف حلب الشرقي والرقة شمال شرق سوريا، على خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، هذه التحركات الأخيرة تأتي وسط تصاعد حاد في التوترات بين الطرفين، مما يثير تساؤلات جدية حول إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية واسعة النطاق.
طبيعة التحركات العسكرية
أفادت مصادر مطلعة أن وزارة الدفاع السورية أرسلت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مناطق استراتيجية متعددة تشمل منطقة سد تشرين ودير حافر في ريف حلب الشرقي، ومنطقة الزملة في ريف الرقة الجنوبي.
وكذلك مواقع متقدمة على خطوط التماس المباشرة مع “قسد”، هذه التعزيزات تضم وحدات من الفرقة 60 و76 التابعة لوزارة الدفاع السورية. وأوضح مصدر عسكري أن “القطع العسكرية ليست بأعداد كبيرة ولا تهدف لمواجهة عسكرية مع قسد، وإنما للتأهب لأي طارئ”.
نفي رسمي للتحركات العدائية
في تطور لافت، نفت وزارة الدفاع السورية وجود تحركات عسكرية جديدة قرب خطوط التماس، مشيرة إلى أن المشاهد المصورة المتداولة تعود لتدريبات الجيش السوري جنوب مدينة حلب ضمن ما يُعرف بـ”المسير العسكري”.
وأكدت مصادر عسكرية أن “خطوط التماس في ريف حلب بين الجيش السوري وقسد لا تزال مستقرة ولا تشهد أي توتر أو عمليات تحشيد عسكري”.
مؤتمر الحسكة كعامل تصعيدي
جاءت التحركات العسكرية المزعومة في أعقاب انعقاد مؤتمر “وحدة موقف مكونات إقليم شمال وشرق سوريا” في مدينة الحسكة. المؤتمر الذي نظمته الإدارة الذاتية شهد مشاركة مثيرة للجدل تضمنت الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري عبر كلمة مصورة.
ورئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا غزال غزال، وأكثر من 400 شخصية تمثل مختلف المكونات في مناطق سيطرة “قسد”.
ودعا المؤتمر إلى إقرار دستور ديمقراطي يكرس التنوع القومي والثقافي والديني، ويؤسس لدولة لا مركزية تضمن المشاركة الفعالة لكافة المكونات في العملية السياسية والإدارية.
رد الفعل الغاضب من دمشق
اعتبرت الحكومة السورية مؤتمر الحسكة “ضربة لجهود التفاوض الجارية” وأعلنت رفضها المشاركة في أي اجتماعات مزمع عقدها في باريس. وقال مصدر حكومي سوري أن المؤتمر:”لا يمثل إطاراً وطنياً جامعاً، بل تحالف هش يضم أطرافاً متضررة من انتصار الشعب السوري وسقوط عهد النظام البائد”.
كما أكد أن دمشق “لن تجلس على طاولة التفاوض مع أي طرف يسعى لإحياء عهد النظام البائد تحت أي مسمى أو غطاء”.
انهيار المسار التفاوضي
وأعلنت سلطة الشرع السبت الماضي إلغاء اجتماع باريس المقرر مع وفد “قسد”، عقب مؤتمر الحسكة الذي اعتبرته تهديداً لمسار التفاوض. هذا القرار يمثل نكسة كبيرة لاتفاق 10 مارس 2025 الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي.
تفاصيل اتفاق 10 مارس المتعثر
ووقّع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقاً في 10 مارس 2025 ينص على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء الأراضي السورية. الاتفاق تضمن بنوداً مهمة شملت تأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع للتقسيم أو الانفصال.
وكذلك دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن المؤسسات العسكرية السورية، وإدماج المؤسسات المدنية التابعة للإدارة الذاتية ضمن هيكل الدولة السورية.
وايضا إدارة مشتركة للمطارات والمعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
اتهامات متبادلة بخرق وقف إطلاق النار
واتهمت قوات سوريا الديمقراطية الحكومة السورية والفصائل التابعة لها بارتكاب خروقات متكررة لاتفاق وقف إطلاق النار. وأوضحت “قسد” في بيان أن هذه الفصائل شنت أكثر من 22 هجوماً على مناطق شمال وشرق سوريا.
وكذلك استخدمت الأسلحة الثقيلة في هجماتها،ونفذت عمليات برية ومحاولات عبور نهر الفرات.
وايضا استهدفت مواقع في دير الزور ودير حافر وسد تشرين وتل تمر، هذه الهجمات أدت إلى إصابة أكثر من 11 مدنياً وإلحاق أضرار كبيرة بالمناطق السكنية.
التبريرات العسكرية السورية
من جانبها، أوضحت مصادر عسكرية سورية أن التعزيزات جاءت عقب “تعديات واستهداف متكرر لقوات وزارة الدفاع من قبل قوات سوريا الديمقراطية”. وأشار مصدر عسكري إلى أن:
“ما تقوم به قسد من اعتداءات واستهداف متكرر لقوات وزارة الدفاع السورية وانقلاب قسد على اتفاق 10 مارس ومخرجات المؤتمر الذي عقد في مدينة الحسكة لا يشي بأن قوات سوريا الديمقراطية تسعى إلى الحل السياسي، وعليه يكون الخيار العسكري هو الوحيد لتحرير مناطق شرق سوريا”
التحذيرات الدولية من الحرب الأهلية
تحذيرات وزير الخارجية الأمريكي
حذر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو من أن سوريا قد تكون “على بعد أسابيع من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمرة”. وقال روبيو في جلسة استماع بمجلس الشيوخ:”تقييمنا هو أن السلطة الانتقالية وبصراحة، في ضوء التحديات التي تواجهها، قد تكون على بعد أسابيع – وليس عدة أشهر – من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة تؤدي فعليا إلى تقسيم البلاد”
الجهود الدولية للاحتواء
يستضيف الأردن اجتماعاً مشتركاً مع سوريا والولايات المتحدة للبحث في سبل دعم “عملية إعادة بناء سوريا”. الاجتماع الذي يشارك فيه الوزير الأردني أيمن الصفدي ونظيره السوري أسعد الشيباني والمبعوث الأمريكي الخاص توم براك يهدف إلىبحث الأوضاع في سوريا وسبل دعم عملية إعادة البناء.
وتثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء وحل الأزمة هناك، وضمان الأمن والاستقرار والسيادة السورية.
التدخلات التركية
تتدخل تركيا في كل مرحلة من المفاوضات بين دمشق و”قسد” عندما ترى أن مصالحها قد تتأثر. وأشارت التقارير إلى أن الحكومة السورية تهربت من اجتماع باريس تحت ضغط تركي واضح.
قال مصدر في وزارة الدفاع التركية إن قوات سوريا الديمقراطية لا تلتزم بالاتفاقية التي وقعتها مع الحكومة السورية للانضمام إلى مؤسسات الدولة، وأن الاشتباكات الأحدث بينهما تضر بوحدة سوريا.
الدعم الأمريكي والأوروبي
في المقابل، تؤكد الولايات المتحدة أن قوات سوريا الديمقراطية تعد ضاماناً رئيسياً للاستقرار في المنطقة. وتواصل واشنطن جهودها لإحياء المفاوضات مع إجراء اجتماعات ثلاثية مع الأردن وسوريا.
تحليل احتمالات المواجهة العسكرية
العوامل المؤثرة في منع التصعيد
رغم التوترات المتصاعدة، تشير عدة عوامل إلى أن احتمالية اندلاع حرب واسعة النطاق تبقى محدودة:
أولاً: النفي الرسمي لوزارة الدفاع السورية لوجود تحركات عسكرية عدائية، مع التأكيد أن ما حدث مجرد تدريبات عسكرية روتينية.
ثانياً: الضغوط الدولية القوية من الولايات المتحدة وفرنسا لتجنب التصعيد العسكري وإحياء المفاوضات.
ثالثاً: التكاليف الباهظة لأي مواجهة عسكرية واسعة على جميع الأطراف في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
تقييم الخبراء للوضع الراهن
يرى الباحث السياسي سمير العبدالله أن الاشتباكات التي شهدها ريف حلب الشرقي ليست مجرد حادث أمني عابر، بل مؤشر على عمق التباينات بين الحكومة السورية و”قسد” حول آليات تنفيذ اتفاق 10 مارس.
وأشار إلى أن “التفاهمات بين الطرفين حتى الآن تظل في الإطار السياسي، ولم تتحول إلى التزامات عملية واضحة على الأرض”، لافتاً إلى أن “هذه الهشاشة الواضحة تعكس غياب الثقة المتبادلة”.
السيناريوهات المحتملة للتطورات القادمة
السيناريو الأول: التصعيد المحدود
قد تشهد المنطقة اشتباكات محدودة ومتقطعة على خطوط التماس، دون تطورها إلى مواجهة شاملة. هذا السيناريو يهدف إلى ممارسة ضغوط متبادلة لتحسين المواقف التفاوضية.
السيناريو الثاني: العودة للمفاوضات
قد تؤدي التحركات الأخيرة إلى إحياء جولة جديدة من المفاوضات بوساطة دولية أكثر فعالية، خاصة مع الضغوط الأمريكية والأوروبية المتزايدة لتجنب انهيار الاستقرار في سوريا.
السيناريو الثالث: التصعيد الشامل
في حال فشل كافة الجهود الدبلوماسية، قد تندلع مواجهة عسكرية أوسع. لكن هذا السيناريو يبقى الأقل احتمالاً نظراً للتكاليف الباهظة والعواقب الإقليمية المدمرة، خاصة في ضوء التحذيرات الأمريكية من حرب أهلية شاملة.
التوقعات
تشير التطورات الأخيرة إلى دخول الصراع بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية مرحلة جديدة من التعقيد والتوتر. فشل اتفاق 10 مارس في تحقيق اختراق حقيقي، إضافة إلى تداعيات مؤتمر الحسكة، دفع بالطرفين نحو حافة التصعيد.
رغم التوترات المتصاعدة والتحركات العسكرية المزعومة، تبقى احتمالية اندلاع حرب شاملة جديدة محدودة في المدى القريب. النفي الرسمي السوري للتحركات العدائية، والضغوط الدولية القوية، والتحذيرات الأمريكية الصريحة من عواقب الانهيار، تدفع جميع الأطراف نحو البحث عن حلول دبلوماسية.
المطلوب حالياً هو تدخل دولي فعال لإعادة إحياء المسار التفاوضي، مع تقديم ضمانات حقيقية لكافة الأطراف، وإيجاد صيغة توافقية تحفظ وحدة الأراضي السورية وتضمن حقوق جميع المكونات السورية، مع تجنب السيناريو الكارثي للحرب الأهلية الذي حذر منه المسؤولون الأمريكيون.
في ظل هذه التطورات المعقدة، تبقى الأيام والأسابيع القادمة حاسمة في تحديد مسار الأحداث، سواء نحو التهدئة والعودة للمفاوضات، أو نحو تصعيد قد يكون له عواقب وخيمة على استقرار سوريا والمنطقة بأكملها.
