في موقف دولي حاسم، أصدر مجلس الأمن الدولي مساء الأحد 10 أغسطس 2025 بياناً رئاسياً بإجماع أعضائه الـ15 يدين بشدة أعمال العنف الطائفي المستمرة في محافظة السويداء جنوبي سوريا منذ 12 يوليو 2025، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص ونزوح 192 ألف آخرين داخلياً في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في سوريا منذ سقوط نظام الأسد.
دعوة عاجلة لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين
دعا مجلس الأمن جميع الأطراف إلى “الالتزام بترتيب وقف إطلاق النار، وضمان حماية المدنيين”، مشدداً على ضرورة “تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وآمن وسريع ودون عوائق إلى المجتمعات المتضررة في السويداء، وباقي أنحاء سوريا”.
وأعرب المجلس عن “قلقه العميق إزاء تصاعد العنف” الذي شمل “عمليات قتل جماعي وفقدان الأرواح” في محافظة السويداء، معقل الطائفة الدرزية في سوريا.
مأساة إنسانية بأرقام صادمة: أكثر من ألف قتيل
كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن أرقام مأساوية، حيث وثقت “مقتل 1,013 شخصاً في أعمال العنف منذ 13 يوليو، بينهم 47 امرأة و26 طفلاً وستة من العاملين بالمجال الطبي”، فيما أكد طبيب شرعي في مستشفى السويداء الوطني فحص 502 جثة، بعضها تعرض لتعذيب وحشي بما في ذلك “جثة مقطوعة الرأس ونحر عنقي جثتين إحداهما لفتاة”.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، فقد نزح 93,400 شخص على الأقل منذ بداية الأحداث، “معظمهم داخل السويداء”، مع تحديث لاحق رفع الرقم إلى 192 ألف نازح حسب بيان مجلس الأمن.
جذور الأزمة: من حادثة سرقة إلى مذبحة طائفية
بدأت الأحداث المأساوية بحادثة سرقة على طريق دمشق-السويداء في 11 يوليو 2025، حين “اعتدى أفراد من العشائر البدوية على تاجر خضار درزي بعد أن أقاموا حاجزاً مرتجلاً على الطريق، وسرقوا سيارته وممتلكاته قبل أن يأخذوه بالقوة ويوجهوا له إهانات طائفية وتهديدات بالقتل”.
ردت الجماعات الدرزية المسلحة باعتقال عدة أفراد من العشائر البدوية في اليوم التالي، مما “أدى إلى بدء دورة من عمليات الاختطاف الانتقامية بين الجانبين، والتي تصاعدت بسرعة إلى اشتباكات مسلحة مفتوحة”.
تدخل حكومي مثير للجدل وتصعيد خطير
تفاقم العنف بشكل ملحوظ بعد قرار الحكومة السورية الانتقالية نشر قوات من وزارتي الداخلية والدفاع في 14 يوليو لوقف الاشتباكات. ووفقاً لشهود عيان ومنظمات حقوقية، “انحازت هذه القوات إلى البدو وباشرت بتجاوزات خطيرة من مذابح وقتل وحرق منازل”، مما دفع الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، للمطالبة بحماية دولية.
إعدامات ميدانية وانتهاكات موثقة بالفيديو
كشفت مقاطع فيديو صورها القتلة أنفسهم وتحققت منها وكالة رويترز عن “إعدامات ميدانية لـ12 مدنياً درزياً عزّلاً في ثلاثة مواقع بالسويداء”، بينها إعدام ثلاثة أشقاء من عائلة عرنوس وحارس بئر مياه يبلغ 60 عاماً بعد أن سأله المسلحون “هل أنت مسلم أم درزي؟” وعندما أجاب “أنا درزي” أطلقوا عليه النار فوراً.
تدخل إسرائيلي وتعقيدات إقليمية
في 15 يوليو، تدخل سلاح الجو الإسرائيلي وشن غارات على “تجمعات لقوات الأمن العام في محيط مبنى قيادة الشرطة وسط مدينة السويداء”، مدعياً أنه يدافع عن الدروز ويمنع انتشار الأسلحة في جنوب سوريا.
استجابة المجتمع الدولي ومحاسبة المسؤولين
رحب مجلس الأمن بالبيان الذي أصدرته السلطات السورية وأعلنت فيه إدانتها للعنف والتزامها بالتحقيق فيه ومحاسبة المسؤولين، لكنه شدد على ضرورة “إجراء تحقيقات موثوقة وشفافة وفق المعايير الدولية”.
وأكد المجلس أن “السلطات السورية المؤقتة يجب أن تضمن مساءلة جميع مرتكبي أعمال العنف وتقديمهم إلى العدالة بغض النظر عن انتماءاتهم”.
تحذير من التدخلات الخارجية المزعزعة
أدان مجلس الأمن “جميع أشكال التدخل السلبي أو الهدّام في عملية الانتقال السياسي والأمني والاقتصادي في سوريا”، مشيراً إلى أن “هذه التدخلات تقوض الجهود الرامية إلى استعادة الاستقرار في البلاد”.
وجدد المجلس “التزامه القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها”، داعياً “جميع الدول إلى احترام هذه المبادئ والامتناع عن أي تدخلات تهدد استقرار البلاد”.
كارثة إنسانية وانهيار في الخدمات الأساسية
أدى العنف إلى “انقطاع واسع النطاق للكهرباء والمياه والرعاية الصحية” في معظم أنحاء السويداء، حيث “معظم المستشفيات خارج الخدمة بسبب الأضرار المادية ونقص الموظفين وانقطاع الوقود”.
ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الوضع بأنه “أزمة إنسانية خطيرة” مع “تزايد المخاطر على الصحة العامة، بما في ذلك تقارير عن وجود جثث غير مدفونة في المناطق السكنية”.
دعوة لعملية سياسية شاملة
دعا مجلس الأمن إلى تنفيذ “عملية سياسية شاملة يقودها السوريون” وفقاً للقرار 2254، تشمل “حماية حقوق السوريين كافة، بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الديني”، مؤكداً أن “التعافي الحقيقي في سوريا يتطلب تدابير فعّالة لضمان الأمان والحماية لجميع المواطنين”.
تحدٍ كبير للحكومة السورية الجديدة
تُعتبر أحداث السويداء أكبر تحدٍ يواجه الحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وتكشف عن صعوبات في ملء الفراغ الأمني ودمج عشرات الفصائل المسلحة في جيش وطني موحد.
يأتي بيان مجلس الأمن في وقت حرج تواجه فيه سوريا موجات متكررة من العنف الطائفي، بعد أربعة أشهر من موجة قتل طالت الأقلية العلوية في الساحل السوري وقتلت خلالها مئات الأشخاص، مما يثير مخاوف جدية حول قدرة السلطات الجديدة على ضمان الأمن والاستقرار لجميع الطوائف السورية.
