في خطوة دبلوماسية مهمة، رحبت باكستان بحرارة بقرار الولايات المتحدة الأمريكية تصنيف جماعة “جيش تحرير بلوشستان” والاسم المستعار لها “لواء مجيد” كمنظمات إرهابية أجنبية، في تطور يأتي وسط تحسن ملحوظ في العلاقات الأمريكية الباكستانية.
التصنيف الأمريكي والخلفية
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الاثنين 11 أغسطس 2025، إدراج “جيش تحرير بلوشستان” وجناحه المسلح “لواء مجيد” في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، مؤكدة أن هذا القرار يعكس التزام إدارة الرئيس دونالد ترامب بمكافحة الإرهاب على المستوى العالمي.
وصرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في بيان رسمي أن “الإجراء الذي اتخذته وزارة الخارجية اليوم يظهر التزام إدارة ترامب بمكافحة الإرهاب”.
يأتي هذا التصنيف بعد أن كان “جيش تحرير بلوشستان” مصنفاً منذ عام 2019 ضمن “قائمة الإرهابيين الدوليين المدرجين بشكل خاص”، وهو تصنيف أقل صرامة يستهدف الموارد المالية للجماعة.
الترحيب الباكستاني الرسمي
عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، شفقت علي خان, في بيان رسمي عن ترحيب بلاده بهذا القرار، مشيراً إلى أن باكستان حظرت “جيش تحرير بلوشستان” ككيان إرهابي منذ 18 يوليو 2024.
وأكد خان أن “جيش تحرير بلوشستان/لواء مجيد متورط في هجمات إرهابية متعددة في باكستان، بما في ذلك حادث جعفر إكسبريس الإرهابي الشنيع وهجوم حافلة خوزدار الذي أسفر عن خسائر في الأرواح”، مؤكداً أن باكستان ظلت “حصناً منيعاً ضد الإرهاب”.
من جانبه، قال رئيس وزراء إقليم بلوشستان، سرفراز بوجتي، إن الجماعة وجناحها المسلح “لطالما سفكا دماء الأبرياء تحت غطاء كاذب من العرق والحقوق”.
التوقيت الاستراتيجي والسياق الدبلوماسي
يتزامن هذا التصنيف مع زيارة قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، إلى الولايات المتحدة، وهي الزيارة الثانية له إلى واشنطن خلال أقل من شهرين، مما يعكس تطور العلاقات العسكرية والاستراتيجية بين البلدين.
كما يأتي التصنيف بعد أقل من أسبوعين من توقيع اتفاقية تجارية بين واشنطن وإسلام آباد في 31 يوليو 2025، تتيح للشركات الأمريكية المساهمة في تطوير احتياطيات النفط غير المستغلة في إقليم بلوشستان وخفض الرسوم الجمركية على باكستان من 29% إلى 19%.
خلفية النشاط الإرهابي للجماعة
تشير البيانات الأمريكية إلى أن “جيش تحرير بلوشستان” قام بسلسلة من الهجمات الإرهابية، منها:
- تفجيرات انتحارية قرب مطار كراتشي ومدينة غوادر الساحلية في عام 2024
- اختطاف قطار “جعفر إكسبريس” في مارس 2025 المتجه من كويتا إلى بيشاور، مما أسفر عن مقتل 31 مدنياً وعنصر أمن واحتجاز أكثر من 300 راكب كرهائن
- استهداف البنية التحتية والعمال الصينيين العاملين في مشاريع “الحزام والطريق” الصينية
العمليات العسكرية الباكستانية
تزامناً مع التصنيف الأمريكي، أعلن الجيش الباكستاني مقتل 50 مسلحاً وصفهم بـ”الخوارج المدعومين من الهند” خلال عملية عسكرية استمرت أربعة أيام على طول الحدود مع أفغانستان، في منطقة جنوب غرب البلاد التي تضم مشاريع استراتيجية ضمن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
وأشاد كل من الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري ورئيس الوزراء شهباز شريف بالعملية الناجحة، مؤكدين التزام الأمة بالوقوف إلى جانب القوات المسلحة في جهودها للقضاء على العناصر المسلحة.
السياق الإقليمي والجيوسياسي
يعكس هذا التطور تحولاً في الاستراتيجية الأمريكية تجاه باكستان، في ظل تدهور العلاقات بين واشنطن ونيودلهي بسبب رفض الهند التوقف عن شراء النفط الروسي، ومع تزايد التوترات التجارية بين البلدين.
وتشير التحليلات إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز دور الجيش الباكستاني كلاعب إقليمي محوري، خاصة في ظل التوسع الصيني في منطقة الخليج وغرب آسيا.
صراع بلوشستان والتحديات الأمنية
يُعد إقليم بلوشستان، الذي يشكل 44% من مساحة باكستان الإجمالية، أكبر إقليم في البلاد ولكن أقلها نمواً، حيث يعاني من عدم المساواة الاقتصادية ونقص في التنمية رغم ثرواته المعدنية الهائلة.
وتواجه باكستان منذ نحو عقدين تمرداً انفصالياً في بلوشستان أوقع مئات القتلى، حيث يطالب الانفصاليون البلوش بحكم ذاتي أوسع وحصة أكبر من عائدات الموارد الطبيعية المحلية.
الاستجابة للتحديات المستقبلية
أكد المتحدث الباكستاني أن بلاده “تظل ثابتة في عزمها على حماية مواطنيها والقضاء على الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره”، إلى جانب التزامها بالتعاون مع المجتمع الدولي للتغلب على هذا التحدي المشترك.
وفي الوقت نفسه، دعت الحكومة الباكستانية الانفصاليين البلوش إلى الحوار مجدداً لحل الأزمة السائدة في إقليم بلوشستان، مؤكدة أن “الحل النهائي لكل الأزمات هو على طاولة الحوار ومن خلال المفاوضات”.
يمثل هذا التطور خطوة مهمة في تعزيز التعاون الأمريكي الباكستاني في مكافحة الإرهاب، ويؤكد على أهمية التنسيق الدولي في مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية، خاصة في منطقة تشهد تنافساً جيوسياسياً متزايداً.










