الأربعاء 13 أغسطس 2025 ، غيّب الموت الأديب الكبير صنع الله إبراهيم عن عمر ناهز 88 عاماً، إثر إصابته بالتهاب رئوي استدعى نقله إلى أحد مستشفيات القاهرة. رحيل الكاتب يُمثل فقداناً كبيراً للمشهد الثقافي المصري والعربي، حيث أسدل الستار على حياة حافلة بالإنتاج الأدبي والمواقف السياسية الجريئة.
شخصية أدبية استثنائية
ونعى الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، الراحل قائلاً: “ببالغ الحزن والأسى، الكاتب والأديب الكبير صنع الله إبراهيم، الذي رحل عن عالمنا اليوم، تاركاً إرثاً أدبياً وإنسانياً خالداً، سيظل حاضراً في وجدان الثقافة المصرية والعربية”.
وأكد الوزير أن الراحل “مثّل أحد أعمدة السرد العربي المعاصر، وامتازت أعماله بالعمق في الرؤية، مع التزامه الدائم بقضايا الوطن والإنسان، وهو ما جعله مثالاً للمبدع الذي جمع بين الحس الإبداعي والوعي النقدي”.
اهتمام القيادة السياسية
أطلع الرئيس عبد الفتاح السيسي على الحالة الصحية للروائي الكبير صنع الله إبراهيم، وتابع ما اتخذته وزارة الصحة والسكان من إجراءات ورعاية طبية شاملة منذ بداية حدوث إصابته بكسر في الحوض.
النشأة والتكوين الأدبي
الطفولة والتربية
وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937 في حي العباسية. نشأ في مكتبة والده التي نهل منها وعيه الأول، وتفتحت عيناه على عوالم الأدب العالمي. كان لوالده دور بارز في تشكيل شخصيته الأدبية، إذ زوّده بالكتب والقصص وشجّعه على الاطلاع منذ الصغر.
بدايات الكتابة
لم يتصور أن يصبح صنع الله إبراهيم أديباً يوماً ما، ففي الحادية عشر من عمره قرأ رواية “الرجل المقنع” ونقلها كتابة في ورق أبيض معجباً بها، وينسبها لنفسه تحت عنوان: صنع الله، فقد كانت أولى خطواته إعجاباً بالرواية والكتابة والرغبة في أن يدق باب الأدب.
اسم مميز ودلالة خاصة
كان اسم “صنع الله” مميزاً وسبب له بعض المتاعب خلال طفولته بين أقرانه. في مقابلة سابقة، روى الكاتب أن والده فتح مصحفاً ووضع إصبعه على آية “وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ” من سورة النمل، فأسماه صنع الله.
التجربة السياسية والسجن
الانتماء اليساري
دخل إبراهيم عالم السياسة في سن مبكرة أثناء دراسته في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، حيث انضم إلى “الحركة الديمقراطية لتحرير الوطن” (حدتو)، وهي جماعة شيوعية سرية.
تجربة الاعتقال والسجن
في عام 1959، اعتقلته السلطات في إطار حملة قمع واسعة ضد الشيوعيين بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، وقضى خمس سنوات في السجن حتى عام 1964، بما في ذلك سجون القلعة وأبو زعبل والواحات.
أثر السجن على الإبداع
كان السجن فرصة ثمينة للتفكير والتدبر والقراءة بنهم، حيث قرأ أعمال فرانز كافكا وجورج لوكاش وغيرهما، وتشبع بمعايير فكرية متنوعة. هذه التجربة وثقها لاحقاً في كتاب “يوميات الواحات”.
المسيرة المهنية والأدبية
العمل الصحفي والسفر
بعد خروجه من السجن، عمل إبراهيم في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية عام 1967، ثم انتقل للعمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام 1968 حتى عام 1971.
تنقل بعدها إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي وصناعة الأفلام، وهناك تعاون مع المخرج السوري محمد ملص على فيلم حول السجناء السياسيين المصريين.
العودة والتفرغ للكتابة
عاد إلى القاهرة عام 1974، وتفرغ للكتابة الحرة والأعمال الأدبية والروائية عام 1975. منذ ذلك الحين، أصبحت الكتابة شغله الشاغل ومشروعه الحياتي.
الإنتاج الأدبي والإبداعي
رواية “تلك الرائحة” (1966)
كانت “تلك الرائحة” روايته الأولى والأكثر تأثيراً، والتي تناولت تجربة السجن وخروج الراوي ومحاولته التكيف مع المجتمع في أجواء كابوسية. الرواية مُنعت بحجة “المحتوى الجنسي الصريح”، ولم تُنشر بصورة رسمية إلا بعد عشرين عاماً.
الأعمال البارزة
من أشهر أعماله الأدبية:
“شرف” – تحتل المرتبة الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية
“اللجنة” (1981) – نُشرت في لبنان بسبب الرقابة
“ذات” (1992) – تستعرض قصة امرأة مصرية من الطبقة الوسطى
“بيروت بيروت” (1984) – نتيجة فترة قضاها في لبنان خلال الحرب الأهلية
“وردة” (2000) – تنتقل إلى سلطنة عمان وتستعيد تاريخ ثورة ظفار
“أمريكانلي” (2013) – آخر أعماله الروائية
أعمال أخرى: “الجليد”، “نجمة أغسطس”، “النيل مآسي”، “العمامة والقبعة”، “الخلاليا”










