كما هو متوقع تم تعيين صدام حفتر نائبا لابيه في ما يعرف ب”القيادة العامة”
قانونية القرار:
من الناحية القانونية والشرعية، تعيين صدام حفتر نائبا لوالده خليفة حفتر يثير إشكاليات كبيرة، لأن المسألة لا تتعلق فقط بالولاء أو الكفاءة (ان افترضنا وجودها) ، بل بمدى احترام التسلسل القانوني المعتمد في ليبيا لتعيين القيادات العسكرية.
الإطار القانوني:
فوفق الاعلان الدستوري الليبي المعدّل وقوانين تنظيم الجيش:
- استحداث مناصب عسكرية عليا مثل “نائب القائد العام” لا يتم إلا بقانون صادر عن السلطة التشريعية (حاليا مجلس النواب ان افترضنا استمرار شرعيته) أو ضمن تعديلات قانون الجيش المعتمدة.
- تعيين أو إعفاء القادة الكبار (بما فيهم القائد العام ونوابه) يتم بقرار من المجلس الرئاسي مجتمعًا باعتباره القائد الأعلى للجيش وفق الترتيبات السياسية (اتفاق الصخيرات 2015 وما تلاه من تفاهمات).
وهذا يعطينا الاسنتاج ان اي منصب أو تعيين خارج هذا الإطار يعتبر غير ملزم من الناحية القانونية للدولة الليبية، حتى لو تم اعتماده فعليًا على الأرض بحكم الامر الواقع في نطاق سيطرة الجهة التي أصدرته.
الوضع الفعلي في الشرق الليبي:
رغم ان حفتر يحمل صفة “القائد العام للجيش الوطني” والتي منحت له من قبل مجلس النواب ، ويتمتع بنفوذ وسلطة واسعة في شرق ليبيا، ويمارس عمليا سلطة التعيين داخل قواته، مستندا إلى تفويض من البرلمان سنة 2015 ، ولكن البرلمان نفسه لم يُعلن رسميًا عن قانون أو قرار بإنشاء منصب “نائب القائد العام” ..
رئيس مجلس النواب عقيلة صالح او مكتبه على الاقل ، أبدى تأييده، مما يعطي القرار دعمًا ظاهريا سياسيا محليا، ولكن هذا لا يغيّر حقيقة أن هذا الإجراء لم يصدر وفق الاختصاصات المتعارف عليها او وفق القانون العسكري الرسمي الموحد.
الشرعية السياسية:
في الشرق والجهات المؤيدة: يعتبره المؤيدون خطوة شرعية باعتبار أن حفتر يملك صلاحية تنظيم هيكل قواته، خصوصا مع دعم البرلمان والحكومة المكلفة من مجلس النواب.
في الغرب: المجلس الرئاسي (بصفته رئيس الدولة) اعتبر التعيين انتهاكا للقوانين العسكرية واتفاقات توحيد الجيش، ويمثل “تغولا” من طرف واحد على مؤسسة يفترض أن تكون وطنية موحدة.
الدلالات
تثبيت النفوذ العائلي:
الخطوة تعكس بوضوح توجهًا لتوريث السلطة العسكرية لأبناء خليفة حفتر، ويمكن وصفه بأنه “ترسيخ لسلطة عائلية في المجال العسكري” .
الجهات والاطراف المؤيدة ترى أن التعيين جزء من استراتيجية أوسع لما سمي بـ”رؤية 2030″ ل”تطوير وتعزيز الآداء العام” ، كما جاء في بيان صفحة القيادة العامة الرسمية .
نفوذ داخلي وإقليمي متنامٍ:
قام صدام حفتر بجولات دبلوماسية هامة إلى باكستان وتركيا وواشنطن وروما والقاهرة، ما يعكس أن السلطة تستثمر في دوره كواجهة عسكرية وربما سياسية مستقبلية محتملة .
كما يقوم بدور محوري داخل المؤسسة العسكرية ك”رئيس أركان القوات البرية” التابعة للقيادة العامة قبل قيادته للواء طارق بن زياد ، ما يؤكد صعوده كهيكل قيادي أساسي في المشهد العسكري الليبي .
التبعات
أزمة شرعية بين “القيادة العامة” و”المجلس الرئاسي”:
المجلس الرئاسي الليبي اعتبر أن هذا التعيين غير قانوني، ودعا إلى “اجتماع عاجل” لإعادة النظر في القرار، مستندًا إلى أن صلاحيات استحداث المناصب العسكرية تعود للسلطة التشريعية وليس لجهة منفردة .
تقسيم واضح لمراكز القوى:
إذ أن التعيين يعكس الانقسام القائم في الجيش الليبي بين الشرق الغالبية فيه لحفتر، والغرب الذي يُدير قواته عبر حكومة الدبيبة ورئاسة الاركان التابعة لها. هذا الأمر قد يرسّخ المشهد العسكري المنقسم ويعرقل جهود المصالحة .
احتمالات تأجيج الصراع على القيادة العسكرية
وجود أكثر من نجل لحفتر في مناصب قيادية (مثل خالد حفتر في رئاسة أركان الوحدات الأمنية)، يفتح الباب لاحتمالات نزاع داخل العائلة على السلطة العسكرية مستقبلاً .
مزيد من العزلة أو تعزيز النفوذ؟
بينما قد يؤدي تعيين صدام إلى تعزيز هيمنة القيادة العامة على شرق ليبيا واجزاء من الجنوب عسكريا في حال استقر الوضع لصدام حفتر ، ولكن عدم التفاهم مع المؤسسات والاجسام السياسية القائمة الاخرى قد يؤدي إلى تفاقم العزلة الداخلية.
وسيستمر المعارضون باعتبار هذه الخطوة “توريثا” غير شرعي يهدد المسار الديمقراطي ويفصِل الجيش عن المؤسسة القانونية والسياسية. ويرسخ هوية “الجيش الموازي” بقيادة حفتر، مع مخاوف متزايدة من مزيد من الانقسام داخل الدولة الليبية.
وعموما ووفق الاتفاقات السياسية يعتبر القرار مخالف لاتفاق الصخيرات والاتفاقات اللاحقة عبر حوار تونس وجنيف ، ومسار لجنة 5+5 لتوحيد الجيش وقد يراه البعض انه فعليا يقوض جهود التوحيد مالم يكن هناك تغيير في نهج القيادة العامة اتجاه قضية توحيد الجيش الذي تم افشابه في السابق في جولات تمت في مصر بسبب اشتراطات تعجيزية من قبل السيد حفتر نفسه .. وهذا ربما سيحتاج الى وساطة حازمة من قبل الدول المتدخلة في ليبيا وأهمها مصر وتركيا ويحتاج ايضا الى تحويل رؤية الجانب الامريكي في توحيد القوات العسكرية شرقا وغربا في جسم موحد الى برنامج عملي يأخذ في الحسبان وعين الاعتبار وبالدرجة الاولى وبعيدا عن اهداف امريكا الاخرى ، مصلحة توحيد ليبيا من خلال جيش موحد بطريقة تضمن عدم تغول المؤسسة العسكرية على السلطة المدنية وتضمن عدم اهمال بناء المؤسسة العسكرية من قبل السلطة المدنية ..
ولكن علينا الاعتراف ان الامر (ملف توحيد المؤسسة العسكرية) ليس بهذه السهولة وهناك اشكاليات اخرى منها تعقيدات الماضي القريب واستمرار تواجد وانتشار التشكيلات المسلحة في الغرب الليبي ، وامور قانونية وتشريعية ، وأمور اخرى تتعلق بقضايا عالقة لازالت تطفو على السطح من حين لآخر ولها علاقة مباشرة بملفات حقوق الانسان والاخفاء القسري ، ولا يسع المجال لذكرها الان










