يلتقي اليوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجهاً لوجه في ألاسكا، في قمة عالية المخاطر يمكن أن تشكل مسار الحرب في أوكرانيا ومستقبل الأمن الأوروبي. هذا اللقاء التاريخي، المقرر في الساعة 11 صباحاً بتوقيت ألاسكا في قاعدة إلمندورف-ريتشاردسون المشتركة بأنكوريدج، يمثل أول محادثات مباشرة بين زعيمي القوتين العظميين منذ عودة ترامب للبيت الأبيض.
ترامب: السعي لتحقيق إنجاز دبلوماسي تاريخي
تهديدات وضغوط متصاعدة
أكد ترامب أن بوتين “لن يستطيع السيطرة على أوكرانيا خلال فترته الرئاسية”، مشدداً على أن قمة ألاسكا تمهد لاجتماع ثانٍ يجمع الرئيسين الأمريكي والروسي مع نظيرهما الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. صرح ترامب بأن هذا الاجتماع الثاني سيكون “أكثر أهمية من اجتماع ألاسكا”.
رغم وصفه اللقاء بأنه “جلسة استطلاع وتحضير”، هدد ترامب بـ”عواقب وخيمة جداً” لروسيا إذا لم تتوصل المحادثات إلى وقف إطلاق النار. قدر ترامب احتمالية فشل المحادثات بـ25%، وأشار إلى إمكانية فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول التي تتعامل مع روسيا.
“بوتين لن يعبث معي”
في تصريحات حازمة قبيل المغادرة للقمة، أكد ترامب أن بوتين “لن يعبث معه”، قائلاً: “لو لم أكن رئيساً لكان قد سيطر على كل أوكرانيا. لكنني رئيس الآن، وهو لن يعبث معي”.
بوتين: البحث عن اعتراف دولي وكسر العزلة
انتصار دبلوماسي مبكر
حقق بوتين بالفعل مكسباً دبلوماسياً مهماً بمجرد انعقاد هذه القمة، حيث تُظهر فشل الجهود الغربية لعزل روسيا دولياً. اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن القمة تشكل “انتصاراً لبوتين” بغض النظر عن نتائجها.
أشاد الرئيس الروسي بـ“الجهود النشطة والصادقة” التي تبذلها إدارة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا. قال بوتين إن الإدارة الأمريكية تبذل “جهوداً نشطة وصادقة لوقف الأعمال العدائية والتوصل إلى اتفاقيات تخدم مصالح جميع الأطراف المعنية بهذا الصراع”.
اقتراح اتفاقية نووية جديدة
لمّح بوتين إلى إمكانية بحث الحد من الأسلحة الاستراتيجية، في إشارة مباشرة إلى الملف النووي. طرح الرئيس الروسي إمكانية التوصل إلى اتفاقية جديدة للحد من الأسلحة النووية تحل محل الاتفاقية الحالية المقرر انتهاؤها في فبراير 2026.
زيلينسكي: الغائب المتخوف من صفقة على حسابه
رفض قاطع لأي اتفاق دون أوكرانيا
يُعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الغائب الأبرز عن هذه القمة، رغم أن مصير بلاده معلق بنتائجها. أكد زيلينسكي أن “أي قرارات تُتخذ دون أوكرانيا هي ضد السلام”، محذراً من أن “الحديث عنا دوننا لن ينجح”.
رأى زيلينسكي أن التوصل إلى وقف إطلاق نار “فوري” في أوكرانيا يجب أن يكون “الموضوع الرئيسي” لقمة ألاسكا. أكد الرئيس الأوكراني أن الأراضي الأوكرانية غير قابلة للتجزئة، رافضاً أي مقترحات لـ”تبادل الأراضي”.
تفاصيل القمة ومكانها الرمزي
جدول أعمال مكثف
يتضمن برنامج القمة لقاءً ثنائياً مغلقاً بين الرئيسين، يليه إفطار عمل بمشاركة خمسة مسؤولين من كل جانب. ستختتم القمة بمؤتمر صحفي قد يكون مشتركاً أو منفصلاً حسب سير المحادثات.
يضم الوفد الروسي وزير الخارجية سيرجي لافروف، ووزير الدفاع أندريه بيلوسوف، ووزير المالية أنطون سيلوانوف. من الجانب الأمريكي، يشارك وزير الخارجية ماركو روبيو، ونائب الرئيس جي دي فانس.
الرمزية التاريخية لألاسكا
يحمل اختيار ألاسكا كمكان للقمة دلالات تاريخية مهمة. فهذه الولاية التي اشترتها أمريكا من روسيا عام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار، تقع على مسافة 90 كيلومتراً فقط من الأراضي الروسية. كما أن القاعدة العسكرية التي ستحتضن القمة لعبت دوراً حيوياً في مواجهة الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.
السيناريوهات المحتملة
يرى المحللون عدة سيناريوهات محتملة:
- السيناريو الأول: وقف إطلاق نار مؤقت يمهد لمفاوضات أوسع تشمل أوكرانيا
- السيناريو الثاني: فشل المحادثات وتصعيد جديد في العقوبات مع استمرار الحرب
- السيناريو الثالث: تفاهمات محدودة حول قضايا معينة دون حل شامل
المخاوف الأوروبية والدولية
تُبدي العواصم الأوروبية قلقاً شديداً من احتمالية توصل ترامب وبوتين إلى “صفقة كبرى” تتجاهل مصالح الاتحاد الأوروبي. تخشى أوروبا من أن تشمل أي صفقة محتملة رفع العقوبات عن روسيا، أو تقديم تنازلات إقليمية على حساب أوكرانيا.
خلاصة: لحظة حاسمة لمستقبل النظام الدولي
تمثل قمة ألاسكا لحظة مصيرية قد تُعيد تشكيل خريطة النفوذ الدولي وتحدد مصير ملايين الأوكرانيين. بينما يسعى ترامب لتحقيق إنجاز دبلوماسي يُعزز صورته كصانع سلام عالمي، يحاول بوتين كسر العزلة الدولية المفروضة عليه وترسيخ مكاسبه العسكرية.
رغم التحديات الجمة والمواقف المتضاربة، تبقى العيون مُعلقة على ما ستسفر عنه هذه المحادثات التاريخية في قاعدة عسكرية بعيدة في أقصى شمال أمريكا. هل ستمهد هذه القمة لسلام حقيقي في أوكرانيا، أم ستكون مجرد “صور تذكارية للتاريخ”؟
الجواب قد يتضح خلال الساعات القليلة القادمة، في لقاء يحمل في طياته مصير الأمن العالمي لسنوات قادمة.










