أعلن الكرملين رسمياً انتهاء المحادثات بين بوتين وترامب في “صيغة ضيقة” بعد أن استمرت لأكثر من ساعتين ونصف في قاعدة إلمندورف ريتشاردسون المشتركة بأنكوريج، ألاسكا. هذه الجلسة الأولى من قمة ألاسكا التاريخية التي تهدف إلى البحث عن حل لإنهاء حرب أوكرانيا شهدت تغييراً في الصيغة من لقاء منفرد إلى اجتماع “ثلاثة مقابل ثلاثة”، وتُعتبر خطوة تمهيدية نحو مباحثات موسعة تشمل الوفدين كاملين ووجبة غداء عمل.
تفاصيل الجلسة المغلقة وتغيير الصيغة
بدأت المحادثات في تمام الساعة 11:30 صباحاً بالتوقيت المحلي (3:30 مساءً بتوقيت الساحل الشرقي الأميركي) في قاعدة إلمندورف ريتشاردسون، واستمرت لأكثر من ساعتين ونصف وفقاً لما أكده مسؤولون أميركيون. وقد أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت عن تغيير في صيغة الاجتماع من لقاء منفرد متوقع إلى “صيغة ضيقة” تضم ثلاثة مشاركين من كل جانب.
رافق الرئيس ترامب كل من وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، بينما انضم إلى بوتين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومستشار السياسة الخارجية يوري أوشاكوف. هذا التغيير في الصيغة يعكس نهجاً أكثر حذراً مقارنة بقمة هلسنكي عام 2018، حيث التقى القائدان منفردين لمدة ساعتين مع المترجمين فقط.
تجاهل بوتين لأسئلة الصحفيين حول أوكرانيا
خلال مصافحة بوتين مع ترامب، وجه الصحفيون سؤالاً مباشراً للرئيس الروسي: “هل ستتوقف عن قتل المدنيين في أوكرانيا؟”، إلا أن بوتين تجاهل السؤال تماماً وتظاهر بأنه لم يسمعه، حيث ابتسم ووضع يده على أذنه وأشار بأنه لا يفهم أو لا يسمع ما يُقال له.
هذا المشهد جاء وسط أجواء ودية ظاهرياً بين القائدين، حيث تصافحا مرتين ونقلا معاً في نفس السيارة الرئاسية الأميركية “الوحش” إلى موقع القمة، في مشهد رمزي يعكس محاولة إظهار التقارب رغم الخلافات العميقة حول حرب أوكرانيا.
الأهداف والتوقعات من المباحثات
صرح ترامب قبل بدء المباحثات أنه يريد رؤية “وقف إطلاق نار سريع” في أوكرانيا، مؤكداً: “لن أكون سعيداً إذا لم يحدث ذلك اليوم… أريد أن يتوقف العنف”. وأوضح أن هذا اللقاء يهدف إلى “إعداد الطاولة” للاجتماع التالي، مشيراً إلى إمكانية عقد قمة ثلاثية تشمل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إذا نجحت مباحثات الجمعة.
من جهته، اعتبر الكرملين هذه القمة انتصاراً دبلوماسياً، حيث يمكن لبوتين استخدامها لإثبات فشل الجهود الغربية لعزل روسيا وإعادة موسكو إلى موقعها في الدبلوماسية الدولية. وقد وصف المبعوث الروسي الخاص كيريل دميترييف الأجواء التي سبقت القمة بأنها “قتالية”، مشيراً إلى أن القائدين سيناقشان ليس فقط الوضع في أوكرانيا بل أيضاً مجمل العلاقات الثنائية.
البرنامج الموسع والمشاركون
وفقاً للمتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، كان من المتوقع أن تستمر القمة بين 6 إلى 7 ساعات كحد أدنى، مع برنامج يشمل محادثات شخصية يتبعها نقاشات على مستوى الوفود ووجبة غداء عمل، وتنتهي بمؤتمر صحفي مشترك.
في الاجتماع الموسع، انضم إلى ترامب وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة سكوت لوتنيك، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز. كما تضمن الوفد الروسي وزير الدفاع أندري بيلوسوف، ووزير المالية أنطون سيلوانوف، ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف.
موقف أوكرانيا وغياب زيلينسكي
أعرب الرئيس الأوكراني زيلينسكي، المستبعد من هذه المباحثات، عن أمله في أن تفتح القمة الطريق أمام “سلام عادل” ومحادثات ثلاثية موضوعية تشمله. وقال زيلينسكي عبر تطبيق تيليجرام: “حان الوقت لإنهاء الحرب، ويجب على روسيا اتخاذ الخطوات اللازمة. نحن نعول على أميركا”.
وشدد زيلينسكي على أن أي اتفاق يجب أن يشمل أوكرانيا، قائلاً: “هناك حاجة لاجتماع قادة. على الأقل – أوكرانيا وأميركا والجانب الروسي، وضمن هذا الشكل يمكن تحقيق حلول فعالة”. كما أكد أن روسيا تواصل أعمالها العسكرية حتى يوم القمة، حيث أصاب صاروخ روسي منطقة دنيبروبيتروفسك مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخر.
التحديات والعقبات في المفاوضات
تواجه المباحثات تحديات جوهرية، حيث تتمسك روسيا بمطالبها بتنازل أوكرانيا عن أربع مناطق تحتلها جزئياً منذ 2022 (دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون)، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم. من جهتها، ترفض أوكرانيا قطعياً أي تنازلات إقليمية وتصر على استعادة جميع أراضيها.
حذر ترامب من “عواقب اقتصادية شديدة” لروسيا إذا لم تُظهر استعداداً لإنهاء الصراع، مؤكداً: “لست أفعل هذا من أجل صحتي. لا أحتاج لذلك. أود التركيز على بلدنا. لكنني أفعل هذا لإنقاذ الكثير من الأرواح”. وقدر ترامب احتمالية فشل المباحثات بنسبة 25%، مؤكداً أنه مستعد للعودة إلى الوطن بسرعة إذا لم تسر الأمور بشكل جيد.
الأجواء الدبلوماسية والعرض الجوي
تميزت القمة بأجواء دبلوماسية مدروسة، حيث استقبل ترامب نظيره الروسي على السجادة الحمراء وسط عرض جوي أميركي مهيب شمل تحليق قاذفات B-2 وطائرات F-22 التي صُممت أصلاً لمواجهة القوات الروسية خلال الحرب الباردة. هذا العرض حمل رسالة رمزية واضحة حول القوة الأميركية وسط الجهود الدبلوماسية.
جلس القائدان أمام خلفية زرقاء تحمل عبارة “السعي للسلام”، وتجولا معاً في السيارة الرئاسية قبل بدء المباحثات الرسمية، في مشهد يهدف لإظهار الود والتعاون رغم الخلافات العميقة.
ردود الأفعال الدولية والتحليلات
اعتبر محللون أن القمة تمثل انتصاراً دبلوماسياً لبوتين حتى قبل بدايتها، حيث تُظهر فشل استراتيجية الغرب لعزل روسيا وتعيد موسكو إلى المسرح الدبلوماسي العالمي. وقد رحبت وسائل الإعلام الروسية باختيار ألاسكا كموقع للقمة، واصفة إياها بأنها رمزية كونها كانت أراضي روسية سابقاً حتى بيعها للولايات المتحدة عام 1867.
من جهة أخرى، أعرب الحلفاء الأوروبيون عن قلقهم من إمكانية توصل ترامب لاتفاق يضر بالمصالح الأوكرانية، خاصة مع استبعاد أوروبا وأوكرانيا من المباحثات. وحذر المستشار الألماني فريدريش مرتس من أن أي اتفاق يجب أن يشمل كييف ويبدأ بوقف إطلاق النار.
التوقعات للمراحل التالية
كان من المقرر أن تستمر المباحثات في صيغة موسعة تشمل الوفدين كاملين، مع وجبة غداء عمل ومؤتمر صحفي مشترك في نهاية اليوم. وقد وُضعت منابر للمؤتمر الصحفي، رغم أن ترامب أشار إلى إمكانية عقد مؤتمر صحفي منفرد إذا فشلت القمة.
أكد ترامب أنه سيتصل بالرئيس زيلينسكي والقادة الأوروبيين فور انتهاء مناقشاته مع بوتين، مشيراً إلى أن الهدف هو ترتيب قمة ثلاثية سريعة إذا أثمرت مباحثات الجمعة. وبحسب المتحدث باسم الكرملين، فإن قمة ثلاثية ممكنة إذا حققت مباحثات ألاسكا نتائج إيجابية.










