في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية والأمنية في محافظة السويداء السورية، دعا الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، إلى فتح ممر إنساني فوري للسويداء، وذلك خلال لقائه الأخير مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر.
تأتي هذه التصريحات وسط توترات إقليمية، وتدخلات دولية وإسرائيلية متزايدة، ومحاولات لتقديم الدعم الإغاثي لسكان السويداء الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء جراء الاشتباكات الأخيرة.
خلفية الأزمة في السويداء
شهدت السويداء منذ منتصف يوليو 2025 اشتباكات مسلحة عنيفة بين فصائل درزية وعشائر بدوية، تطورت إلى صدام مباشر مع قوات النظام السوري إثر عمليات خطف متبادلة وتصاعد خطاب الكراهية الطائفي، ما أفضى إلى مئات القتلى والجرحى وعمليات نزوح واسعة.
ولعبت القوات الحكومية دورًا في محاولة فرض النظام عبر حملات أمنية وفرض الحظر، إلا أن هذه التدخلات قُوبلت برفض محلي حين دعا شيخ عقل السويداء، حكمت الهجري، إلى مواجهة الجيش واعتبر التدخل الحكومي بمثابة حرب إبادة ضد الدروز.
يقول الباحث آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش:”بينما تعاني المجتمعات المحلية في السويداء من النزوح ونقص الغذاء والماء والرعاية الصحية، يُعرقل انعدام الأمن والعقبات السياسية وانعدام الثقة العميق المساعدات الإنسانية. بصرف النظر عن من يسيطر على الأراضي، ينبغي السماح بدخول المساعدات الإنسانية على الفور ودون تدخل”.
نداء الشيخ موفق طريف والموقف الإسرائيلي
خلال الاجتماع بين الشيخ موفق طريف ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، شدد طريف على ضرورة فتح ممر إنساني عاجل لإغاثة أهالي السويداء من المحنة التي يمرون بها، مطالبًا حكومة إسرائيل، عبر تصريحات رسمية، بالضغط دوليًا لتأمين طريق آمن لوصول المساعدات الغذائية والطبية.
هذا المطلب يأتي في سياق تدخل متزايد للحكومة الإسرائيلية التي شنت غارات جوية على مواقع للجيش السوري بذريعة حماية الدروز في السويداء، فيما رفض الأردن السماح بمرور مساعدات إسرائيلية عبر أراضيه، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى إسقاط المساعدات جوًا.
وبحسب بيانات رسمية وإعلامية:”الوضع في السويداء صعب للغاية ووقف إطلاق النار الحالي نوع من الهدوء المخادع لمحاصرة الدروز، وتخريب بعض قراهم في المنطقة، والتسبب في أزمة إنسانية خطيرة. واجبنا يحتم علينا أن نقيم ممراً يضمن توفير احتياجات الدروز”.
أبعاد الأزمة الإنسانية وبوادر التدخل الدولي
حذرت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من تدهور الوضع الإنساني في السويداء، خاصة مع نزوح أكثر من 93 ألف شخص وتدمير البنى التحتية للرعاية الصحية والماء والكهرباء.
كما تم تنظيم قافلة مساعدات محدودة عبر الهلال الأحمر السوري، إلا أن العوائق الأمنية والطائفية والطعن بالحياد الحكومي حال دون انتظام المساعدات.
تحاول الولايات المتحدة التوسط في اتفاق بين سوريا وإسرائيل لتمكين فتح ممر إنساني، في محاولة لتخفيف المعاناة الإنسانية، مع تقديم مقترحات بمرور المساعدات مباشرة من إسرائيل إلى السويداء، في ظل مخاوف سورية من استغلال الممر لتهريب الأسلحة وتعزيز النفوذ الإسرائيلي.
ويؤكد مسؤولون أمريكيون:”من المقرر أن يلتقي المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، في باريس بوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في محاولة للتوصل إلى اتفاق، بعد 25 عامًا من انقطاع الاتصالات الرسمية”.
السويداء بين الولاءات والمصالح الإقليمية
تحظى محافظة السويداء بوضع استراتيجي حساس، إذ تعتبر معقل الطائفة الدرزية، التي تمتد أصولها عبر سوريا وإسرائيل ولبنان.
وتعد إسرائيل حماية الدروز في السويداء جزءًا من رؤيتها الأمنية والاجتماعية، مما يدفعها للتدخل في شؤون المحافظة كلما اتسعت الفجوة بين الحكومة السورية والطائفة الدرزية.
يقول مراقبون سياسيون:”التدخل الإسرائيلي لا يحمل فقط دوافع إنسانية أو طائفية، بل يستهدف تحقيق مصالح استراتيجية تتعلق بتأمين الحدود ومراقبة النفوذ الإيراني والميليشيات الحليفة للنظام قرب الجولان المحتل”.
“الممر الإنساني من إسرائيل إلى السويداء سيجعل من سوريا ساحة ممرات، وسيكون كل طرف معني بالحصول على الممر الذي يحمي مصالحه”.
ردود فعل وآراء من داخل الطائفة الدرزية
برغم الدعوات المتكررة، لاقت تصريحات الشيخ موفق طريف انتقادات من شخصيات درزية في لبنان وسوريا، حيث يرى كثيرون أن طريف مدعوم إسرائيليًا ولا يتحدث باسم جميع الموحدين الدروز في المنطقة، محذرين من فتنة طائفية وحروب أهلية محتملة إذا استمر استقطاب مواقف الطائفة الدرزية لصالح أجندات خارجية.
قال وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي اللبناني:
“الشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية بإسرائيل، لا يمثلنا وهو مدعوم من إسرائيل. ما يجري خطر ويهدد بحروب أهلية لا ندري كيف ستنتهي”.
المنعطفات والسيناريوهات المستقبلية
لا تزال أزمة السويداء مفتوحة على عدة سيناريوهات، منها إمكانية تنفيذ اتفاق دولي لفتح ممر إنساني بضمانات أمريكية ودولية لإيصال المساعدات دون تدخلات سياسية أو عسكرية.
ورغم الميل لرفض دمشق أي وجود أجنبي غير شرعي، تظل الضغوط الدولية قائمة، مع استمرار المفاوضات والاتصالات عبر باريس وواشنطن وتل أبيب.










