باشرت هيئة مياه ولاية الخرطوم تشغيل الخط الناقل الجديد بقطر عشرين بوصة، وبدأت ضخ المياه إلى عدد من المناطق جنوب العاصمة. تشمل المناطق المستفيدة من هذا المشروع المهم الكلاكلات، وعد حسين، ومايو، والأندلسات، وأبو آدم، والدخينات، والفتيح، وأم عشر، بالإضافة إلى أجزاء من منطقة القبة.
يأتي هذا الإنجاز في إطار جهود الهيئة لإعادة تأهيل الشبكة المائية بعد توقفها لفترات طويلة نتيجة الأوضاع الأمنية التي شهدتها الولاية. وقد شهدت ولاية الخرطوم حربًا مدمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023.
تحذيرات مهمة للمواطنين حول جودة المياه الأولية
أصدرت هيئة مياه الخرطوم تحذيرًا مهمًا للمواطنين، مؤكدة أن المياه التي يتم ضخها حاليًا تحتوي على نسبة عالية من الكلور، وهو إجراء وقائي وضروري لتعقيم وتنظيف شبكة المياه بالكامل. وأوضحت الهيئة أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تغير طفيف في لون وطعم المياه، مع احتمال ظهور بعض العكارة.
شددت الهيئة على ضرورة عدم استخدام هذه المياه للشرب أو الطهي لمدة يومين من تاريخ التنويه، وذلك حتى اكتمال عملية التعقيم وضمان استقرار جودة المياه. كما ناشدت السكان ضرورة التأكد من إغلاق جميع حنفيات المياه في المنازل المهجورة، لتجنب حدوث تسربات قد تؤدي إلى تصدعات أو أضرار في المباني.
حجم الدمار الذي أصاب شبكة المياه في الخرطوم
تعرضت البنية التحتية للمياه في الخرطوم لدمار هائل خلال فترة الحرب. وفقًا لمعلومات دقيقة، يبلغ عدد محطات المياه الرئيسة في الخرطوم 13 محطة مياه، تعرضت 12 محطة منها للتدمير، عدا واحدة هي محطة المنارة في محلية كرري.
أوضح المهندس هشام الأمير، مدير عام هيئة مياه الشرب والصرف الصحي بوزارة الري والموارد المائية، أن “الدعم السريع سهّلت على اللصوص سرقة المحولات وكوابل التوصيل والمعدات الأخرى، وتكفّلت هي بتدمير المباني التي طرحتها على الأرض في عملية خراب مُمنهج للبنية التحتية لمحطات المياه”.
بجانب المحطات الرئيسة، تم تعطيل 1250 بئرًا تتوزع في الأحياء المختلفة داخل الخرطوم أثناء سيطرة الدعم السريع على المدينة، وسُرقت الوابورات وكوابل التوصيل.
الجهود المكثفة لإعادة تأهيل شبكة المياه
منذ استعادة الجيش السوداني العاصمة الخرطوم بشكل كامل أواخر مايو 2025, تعمل هيئة مياه الخرطوم على إصلاح الأعطاب والكسورات التي طالت مضخات ومحطات المياه في مختلف مناطق الولاية جراء الحرب.
شملت الجهود المبذولة إعادة تشغيل عدة محطات رئيسية، حيث أعلنت الهيئة دخول محطة مياه بيت المال في أم درمان إلى الخدمة رسميًا في يوليو 2025، بعد استكمال الترتيبات الفنية والهندسية اللازمة. كما عادت محطتا القماير وأبو سيد في أم درمان للعمل، وقبلهما محطة سوبا في الخرطوم.
في تطور أحدث، أعلنت هيئة مياه ولاية الخرطوم دخول محطة مياه الجريف الخدمة في أغسطس 2025 بإنتاجية 15 ألف متر مكعب من المياه في اليوم.
التحديات المستمرة والحلول البديلة
رغم الجهود المكثفة، تواجه الهيئة تحديات كبيرة في إعادة تأهيل الشبكة. أوضح وزير الري والموارد المائية ضو البيت عبد الرحمن أن ما تعرضت له مصادر المياه في الخرطوم كان “عملاً إجراميًا ممنهجًا”، حيث تعمدت قوات الدعم السريع تدمير محطات المياه الرئيسة والمعامل والخطوط الناقلة لتكون إعادة التأهيل مكلفة للغاية.
تراجعت نسبة توفر مياه الشرب النقية في السودان من حوالي 67% قبل الحرب إلى ما بين 25 و30% حاليًا، وفي ولاية الخرطوم تحديدًا لا تتجاوز نسبة توفر مياه الشرب 30%.
للتعامل مع هذه التحديات، لجأت الهيئة إلى الطاقة الشمسية التي تصلح لتشغيل الآبار، بينما المحطات الرئيسة لا تعمل إلا بالطاقة الكهربائية. كما وضعت الهيئة خطة لتوفير حفار لكل محلية في الوقت الراهن، لعمليات التدخل السريع في أعمال الطوارئ.
تأثير أزمة المياه على السكان والصحة العامة
عانى سكان الخرطوم من أزمة مياه حادة خلال فترة الحرب. انقطع إمداد المياه عن بعض أحياء الخرطوم لأكثر من سنتين، مما اضطر السكان للاعتماد على مصادر بديلة مكلفة وغير آمنة.
وصل سعر الجركانتين من مياه الشرب (حوالي 30 لترًا) إلى ستة آلاف جنيه، مما شكل عبئًا ماليًا كبيرًا على الأسر. كما اضطر السكان للاعتماد على مصادر ملوثة مثل آبار غير آمنة ومياه النيل، مما عزز خطر تفشي الكوليرا.
أشارت منظمة يونيسف إلى أن أزمة المياه والكهرباء في ولاية الخرطوم أجبرت السكان بما في ذلك أكثر من 1.5 مليون طفل على الاعتماد على مصادر ملوثة. وقد أدى انهيار شبكات المرافق إلى انتشار نحو 60 ألف حالة كوليرا وأكثر من 1,600 حالة وفاة محليًا.
الدور في إقناع السكان بالعودة
تُعتبر إعادة تأهيل شبكة المياه جزءًا من جهود الحكومة السودانية لإقناع سكان الخرطوم بالعودة إليها عقب فرارهم منها. تعمل السلطات على توفير الخدمات، عبر استعادة عمل محطات المياه والكهرباء التي دُمرت بفعل المعارك.
قامت الحكومة بتوفير حافلات مجانية لعودة نازحي العاصمة من الولايات الأخرى، وشكلت لجنة عليا من كبار المسؤولين لتهيئة البيئة من أجل عودة سكان الخرطوم. لكن عدم انتقال مؤسسات الدولة من العاصمة الإدارية بورتسودان إلى الخرطوم يبقي على تردد واسع بين السكان.
الأهمية الاستراتيجية للمشروع الجديد
يمثل تشغيل الخط الناقل الجديد بقطر عشرين بوصة خطوة مهمة في استعادة الخدمات الأساسية للعاصمة. هذا المشروع يأتي ضمن خطة شاملة لمعالجة الأعطال وتحسين خدمات المياه في الأحياء المتضررة.
المناطق التسع المستفيدة من المشروع تضم عدة آلاف من السكان، مما يشكل نقلة نوعية في توفير المياه للمناطق التي عانت لسنوات من الانقطاع التام للخدمة. كما يمثل المشروع نموذجًا لإمكانية إعادة إحياء البنية التحتية المدمرة تدريجيًا.
تؤكد هيئة مياه الخرطوم استمرار العمل لتحقيق وصول المياه النظيفة والآمنة إلى جميع أحياء ومدن ولاية الخرطوم، مما يبشر بعودة تدريجية للحياة الطبيعية في العاصمة السودانية بعد سنوات من المعاناة والدمار.










