يستعد البرلمان الليبي الشرقي للسماح لتركيا بالتنقيب عن الغاز في مياه ليبيا في تطور دراماتيكي يعكس تحسن العلاقات الثنائية بين أنقرة وشرق ليبيا، بعد سنوات من الخصومة والتوتر.
تحول موقف البرلمان الشرقي
من المقرر أن يصوت مجلس النواب في طبرق خلال الأسابيع المقبلة على اتفاقية عام 2019 التي تحدد شروط التنقيب، وفقاً لمصادر مطلعة في تركيا وليبيا. وقد أوضح مسؤولون أن معظم العقبات التي تعترض سبيل الاتفاقية قد أُزيلت.
ليبيا المنقسمة تواجه تحدياً في تنفيذ هذه الاتفاقية، فالبلد مقسم بين حكومتين متنافستين: واحدة في بنغازي والأخرى في العاصمة الغربية طرابلس. وتتمتع الأخيرة بعلاقات قوية مع تركيا وتدعم الاتفاق بالفعل، لكن المعارضة الشديدة من الشرق – حيث يسيطر الجيش الوطني الليبي بقيادة القائد العسكري خليفة حفتر – حالت دون تنفيذه حتى الآن.
التطورات الأخيرة والتقارب
تغيير جذري في المواقف: على مدى ما يقرب من ست سنوات، ظلّ مجلس النواب الليبي في شرق البلاد يرفض محاولات السلطات في طرابلس التصديق على الاتفاقية، بحجة أنّها غير قانونية وتنتهك السيادة الوطنية الليبية. غير أنّ البرلمان الشرقي قد غيّر موقفه في يونيو 2025، وأعلن عن تشكيل لجنة فنية لمراجعة مذكرة التفاهم بشأن ترسيم الحدود ورُبّما التصديق عليها.
زيارات دبلوماسية مهمة: تعززت العلاقات من خلال زيارة صدام حفتر، نجل خليفة حفتر ورئيس أركان القوات البرية، إلى تركيا في أبريل 2025. وقد استضافت رئاسة القوات البرية التركية في أنقرة صدام حفتر في مراسم استقبال رسمية، مما أعطى انطباعاً باعتراف تركي بسلطة صدام.
التعاون العسكري والاقتصادي
اتفاقيات عسكرية جديدة: كشفت مجلة “جون أفريك” الفرنسية عن تفاصيل اتفاق عسكري بين صدام حفتر وتركيا، يتضمن 30 برنامجاً تدريبياً على مدى السنوات الخمس المقبلة في مجالات دفاعية مختلفة. كما يشمل الاتفاق تدريب القوات العسكرية للجيش الوطني الليبي على تسيير الطائرات المسيرة التركية، والتدريب المشترك بين القوات البحرية الليبية والتركية على طول الساحل الشرقي الليبي.
استئناف النشاط الاقتصادي: أظهرت مؤشرات الانفراج بين الجانبين من خلال استئناف رحلات الخطوط الجوية التركية إلى شرق ليبيا ومشاركة الشركات التركية في إعادة إعمار درنة المنطقة التي دمرتها العاصفة دانيال في سبتمبر 2023.
التداعيات الإقليمية والمعارضة الخارجية
توترات في شرق المتوسط: لا تخلو هذه الخطوة من تداعيات أوسع، لا سيّما في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تتصاعد التوترات بين تركيا واليونان. وقد أثارت الاتفاقية معارضة شديدة من اليونان ومصر، اللتين قامتا بمساعٍ كبيرة لمنع حفتر من إقرار الاتفاقية.
الموقف الأوروبي: اعترضت أثينا منذ البداية على مذكرة التفاهم، كما أكّدت معارضتها مجدداً في يونيو 2025 خلال اجتماع المجلس الأوروبي، الذي أصدر بياناً شديد اللهجة يدين الاتفاقية.
الأهداف الاستراتيجية لتركيا
أمن الطاقة: تركيا حريصة على إقرار الاتفاقية البحرية مع ليبيا لعدة أسباب، أهمها التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط، حيث تحتاج تركيا بشدة إلى موارد الغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها الطاقوية المتزايدة.
تعزيز النفوذ الإقليمي: تتيح الاتفاقية لتركيا استغلال مناطق بحرية محددة للتنقيب، مما يعزز موقعها الاقتصادي والجيوسياسي في المنطقة.
التحديات والآفاق المستقبلية
ضغوط إقليمية: رغم التقدم المحرز، تواجه الاتفاقية تحديات من المعارضة الإقليمية، خاصة من اليونان التي تعتبرها انتهاكاً لحقوقها السيادية. كما تشهد المنطقة تنافساً حاداً على ثروات الغاز وخطوط الطاقة.
التوافق الداخلي الليبي: يظل الاتفاق محل جدل داخلي في ليبيا، حيث يرى قانونيون أنه أُبرم “تحت ضغوط سياسية وأمنية” ويفتقر إلى إجراءات التصديق الدستورية اللازمة.
يمثل هذا التطور نقلة نوعية في العلاقات التركية-الليبية ويعكس التحولات الجيوسياسية المستمرة في منطقة شرق البحر المتوسط، حيث تسعى الدول إلى تأمين مصالحها في مجال الطاقة والنفوذ الإقليمي.










