رغم التصريحات العلنية المتكررة الرافضة للتطبيع مع إسرائيل، كشفت صحيفة جيروزاليم بوست في تقرير موسّع عن استمرار وجود قنوات اتصال خلفية ومحادثات سرية بين الحكومة الليبية ومسؤولين إسرائيليين، مما يعكس تحولًا هادئًا لكنه ملموس في السياسات الليبية، حتى وسط معارضة شعبية واسعة.
تصريحات رسمية تنفي… ومحادثات سرية مستمرة
قال رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط إن “ليبيا لا تبذل أي جهد ولا تملك رغبة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل”، مؤكدًا أن “القضية الفلسطينية تمثل جزءًا من ضمير الشعب الليبي”.
لكن خلف هذا الموقف الرسمي، تُشير تقارير متعددة إلى أن مستشار الأمن القومي إبراهيم دبيبة – وهو قريب رئيس الوزراء – يقود حواراً غير معلن مع أطراف إسرائيلية بوساطة أميركية، تناول مؤخراً قضية إعادة توطين فلسطينيين من غزة.
ملف “إعادة التوطين” يعيد الجدل
أفادت مصادر مطلعة لـ ميدل إيست آي أن الحكومة الليبية أجرت بالفعل محادثات بشأن إمكانية استقبال نازحين فلسطينيين من غزة، وهو ما نفته الحكومة رسميًا لاحقًا.
وقال الدبيبة في حديثه للصحيفة ذاتها:”مزاعم قبولنا جريمة تهجير الفلسطينيين باطلة… ما يحدث في غزة مأساة إنسانية كبرى، ويجب أن يعيش الفلسطينيون بكرامة على أرضهم”.
تاريخ معقد ومواقف متقلبة
لم تُقم ليبيا أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ استقلالها عام 1951، ويعود ذلك جزئيًا إلى مواقف العقيد الراحل معمر القذافي، الذي دعم بقوة القضية الفلسطينية والجماعات المسلحة، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
لكن الباحث الاستراتيجي ليور دابوش من معهد “مايند إسرائيل” يؤكد أن “العلاقات السرية بين ليبيا وإسرائيل لم تنقطع تمامًا حتى في عهد القذافي”.
واعتبر دابوش أن الجيل الليبي الجديد أكثر انفتاحًا على التطبيع إن خدم ذلك الاستقرار السياسي والاقتصادي. وقال:”الليبيون سئموا الحروب، وإن كانوا يدعمون الفلسطينيين، إلا أن أولوياتهم باتت داخلية”.
دوافع إسرائيلية: أمن، طاقة، ومواجهة النفوذ التركي
يرى التقرير أن إسرائيل ترى فوائد استراتيجية كبرى في تطبيع العلاقات مع ليبيا، رغم أنها لا تُعتبر من “الدول الأساسية” في ملف التطبيع مثل السعودية. ومن بين أبرز الأسباب أمن البحر المتوسط: إذ تستخدم إيران الأراضي الليبية لنقل الأسلحة إلى حزب الله وحماس، ما يجعل التعاون الأمني الليبي مهمًا لإسرائيل.
ومشروع خط أنابيب “إيست ميد”، حيث الاتفاق البحري بين تركيا وليبيا في 2018 أعاق خطة نقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا. تطبيع العلاقات قد يسهم في إعادة إحياء المشروع.
وترى إسرائيل أن تركيا بقيادة أردوغان تشكل تهديدًا، وأن تقليص نفوذها في ليبيا يخدم مصالحها الاستراتيجية.
الموقف الشعبي والبعد التاريخي
رغم كل ذلك، لا تزال المعارضة الشعبية للتطبيع قوية في ليبيا، كما تجلّى في الاحتجاجات التي اندلعت عام 2023 عقب لقاء وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في روما، وهي الحادثة التي أدت إلى إقالتها وفرارها إلى تركيا.
ويشير التقرير إلى أن هذا الغضب الشعبي يعود في جزء كبير منه إلى الذاكرة التاريخية المرتبطة باليهود الليبيين، الذين كانوا حوالي 40 ألفًا قبل أن يغادر معظمهم في موجات تهجير واضطهاد انتهت بخروج آخر يهودي من ليبيا عام 2003.
ليبيا بين الحنين للماضي والبحث عن الاستقرار
قالت دابوش، وهي من أصول يهودية ليبية، إن لديها “أصدقاء في ليبيا يدركون وجود محادثات سرية”، مضيفة أنها تأمل بزيارة طرابلس يومًا ما.
وأكدت أن “الليبيين لا يكرهون اليهود، لكنهم غارقون في أزمات يومية”، من بينها أزمات المياه، وانقطاع الكهرباء، وتدهور الصحة والخدمات، ما يجعل التنمية والاقتصاد أولوية على حساب المواقف الأيديولوجية.










