شهدت السليمانية شرق كردستان العراق على الحدود مع إيران، ليلة دامية، انتهت باعتقال قائد مجموعة مكافحة الإرهاب في السليمانية ورئيس حزب “جبهة الشعب” لاهور شيخ جنكي واثنين من أشقائه، وذلك بعد اشتباكات مسلحة عنيفة استمرت لنحو 4 ساعات في محيط فندق “لاله زار”.
تفاصيل العملية الأمنية
بدأت الأحداث عندما انتشرت قوات أمنية مشتركة تضم وحدات من مكافحة الإرهاب والكوماندوز و”الأسايش” التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني مساء الخميس لتنفيذ مذكرة توقيف صادرة بحق شيخ جنكي.
و تم اعتقال لاهور شيخ جنكي مع شقيقيه بولاد وآسو، حيث أصيب بولاد بجروح بعد رفضه تسليم نفسه لقوات الأمن.
وأسفرت المواجهات المسلحة عن سقوط 3 قتلى و20 جريحا من قوات الأمن، وفقا لوكالة “فرانس برس” التي نقلت عن مسؤولين أمنيين. كما أعلنت المديرية العامة لمكافحة الإرهاب في السليمانية مقتل أحد منتسبيها خلال العملية.
الأساس القانوني للاعتقال
أصدرت محكمة تحقيق الأمن في السليمانية مذكرة توقيف بحق لاهور شيخ جنكي بموجب المادة 56 من قانون العقوبات العراقي، والتي تتعلق بـ”تجمع مجموعة من الأشخاص بقصد إثارة الاضطرابات الأمنية والسلامة العامة”.
وأوضح مدير شرطة السليمانية آرام محمد صالح أن عملية الاعتقال جاءت “وفقا لمذكرات قضائية” وليس لأسباب سياسية.
الصراع مع بافل طالباني
وتعود جذور الأزمة إلى الصراع الدائر بين لاهور شيخ جنكي وابن عمه بافل طالباني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي تفجر في يوليو 2021 عندما قام الأخير بإقصاء شيخ جنكي من الرئاسة المشتركة للحزب.
وفي يوليو 2021، قام بافل طالباني باعتقال رئيس جهاز استخبارات الاتحاد الوطني “زانياري” وقائد القوات الخاصة لمكافحة الإرهاب، في خطوة وصفت بـ”الانقلاب الداخلي” ضد شيخ جنكي.
وبعد إقصائه من الاتحاد الوطني، أسس لاهور شيخ جنكي حزب “جبهة الشعب” عام 2022، والذي شارك لأول مرة في انتخابات برلمان كردستان عام 2024 وحصل على مقعدين برلمانيين.
وسعى شيخ جنكي من خلال حزبه الجديد لتقديم نفسه كـ”القوة الثالثة” في المشهد السياسي الكردي، في مواجهة الحزبين التقليديين: الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.
شخصية لاهور شيخ جنكي
ولد لاهور شيخ جنكي عام 1975 في بلدة “كوي سنجق” التابعة لمحافظة أربيل. وينتمي إلى عائلة سياسية بارزة، حيث يعتبر الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني عمه، بينما قوباد وبافل طالباني هما ابنا عمومته.
ويحمل شيخ جنكي الجنسيتين العراقية والبريطانية، وله 5 أشقاء هم: بولاد وآراس وأسو وأكو وهيوا.
والرئيس المشترك السابق للاتحاد الوطني الكردستاني (حتى 2021)، ومدير وكالة “زانياري” – الجهاز الاستخباري لإقليم كردستان، وقائد مجموعة مكافحة الإرهاب في السليمانية، ورئيس حزب “جبهة الشعب” منذ 2022
رسالة الوداع المؤثرة
قبل اعتقاله، وجه شيخ جنكي رسالة مصورة من فوق سطح مقر إقامته، قال فيها: “هؤلاء الأصدقاء قرروا الهجوم، قد تكون هذه رسالتي الأخيرة لشعب كردستان”.
وأضاف: “كان بإمكاني الذهاب إلى أوروبا لأعيش حياة كريمة، لكن من أجل الشعب الكردي قررت البقاء هنا وعدم الخضوع لأي قوة قمعية”.
تأثير على الاستقرار السياسي
تأتي هذه الأحداث في ظل أزمة سياسية مستمرة في إقليم كردستان، حيث فشل الحزبان الرئيسيان في تشكيل الحكومة الإقليمية العاشرة بعد مرور أكثر من 9 أشهر على انتخابات أكتوبر 2024.
ويخشى المراقبون من أن يؤدي اعتقال شيخ جنكي إلى مزيد من التوتر في المنطقة، خاصة مع وجود مؤيدين له في الشارع الكردي يعتبرونه رمزا للمعارضة ضد “الفساد السياسي”.
ويمثل الصراع بين بافل طالباني ولاهور شيخ جنكي في جوهره “صراعا على تركة جلال طالباني” السياسية، حيث يسعى كل طرف للسيطرة على الاتحاد الوطني الكردستاني والمناطق النافذة التابعة له.
ويعتبر المحللون أن توقيت الاعتقال مشبوه، حيث يأتي قبل الانتخابات المقبلة التي كان شيخ جنكي يستعد لخوضها بقوة، مما يثير شكوكا حول الدوافع السياسية وراء القرار القضائي.
ويشكل اعتقال لاهور شيخ جنكي نقطة تحول مهمة في المشهد السياسي الكردي، حيث ينهي مرحلة من الصراع المفتوح مع بافل طالباني، لكنه قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر السياسي في إقليم كردستان العراق.
ورغم نفي السلطات للدوافع السياسية وراء الاعتقال، إلا أن التوقيت والظروف المحيطة تثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية والتعددية السياسية في الإقليم.










